الوضوح

شاركها

البدالي صافي الدين: الفساد و اقتصاد الريع في المغرب

 الفساد و اقتصاد الريع في المغرب

 

البدالي صافي الدين/المغرب 

 

 

من المعلوم أن اقتصاد الريع ،حسب تعريف مجموعة من الباحثين الاقتصاديين هو ” الحصول على “ثروة” أو منصب أو امتياز، يضمن مداخيل جزافية قارة دون أن يكون مقابل ذلك أي واجب يذكر أو جهد فكري أو جسدي. و غالبا ما تتجلى هذه الامتيازات في رخص النقل البري و الصيد البحري في أعالي البحار، أو المقالع الرملية أو أراضي مخزنية أو رخص بيع الخمور أو مناصب عليا. و إن المستفيد من تلك الامتيازات دون غيره، غالبا ما تكون له قرابة بالحاكم أو بأصحاب القرار و النافذين في الدولة. و تعطى هذه الرخص/ الامتيازات لأشخاص بطرق ملتوية لاعتبارات غير معروفة تجعلهم يحققون مداخيل مالية مهمة ترفع من مستوى ثرواتهم حتى أصبحوا يشكلون لوبيا خطيرا على الاقتصاد الوطني.

 

إن تفشي ظاهرة اقتصاد الريع تجد سبيلها في غياب المساءلة والمحاسبة و في غياب ديمقراطية حقيقية، إذ تجد عددا كبيرا من كبار موظفي الدولة يحتلون مواقع اقتصادية استراتيجية تدر عليهم الملايير ويصبحون بين عشية وضحاها من كبار الأثرياء. و يشمل النشاط الريعي مختلف أشكال المداخيل الطفيلية و الهجينة غير الناجمة عن استثمار رأسمالي أو عن عمل، و هي مداخيل ريعية مرتبطة بالأساس بطبيعة النظام الاقتصادي و الاجتماعي القائمين في البلاد. إن مختلف مداخيل الأنشطة الريعية لا تساهم إلا في خنق الاقتصاد الوطني و فتح الباب للفساد المالي و الاقتصادي .

 

إن اقتصاد الريع بالمغرب، ارتبط منذ زمن بعيد بالامتيازات التي تمنحها الدولة على شكل رخص استغلال المقالع الرملية أو لاكريمات النقل أو استغلال المناجم أو الصيد في أعالي البحار أو منح رخص الاستيراد و التصدير. و لم يعرف المغرب حكومة تضع حدا للريع الاقتصادي لما يشكله من عرقلة على مستوى النمو و التقدم. و قد انتظر المغاربة حكومة اخنوش، التي قالوا عنها إنها حكومة الكفاءات. و اعتقد الجميع بأنها ستكون الحكومة التي ستقطع مع الفساد و مع اقتصاد الريع و القطاع غير المهيكل من أجل تنزيل المشروع التنموي تنزيلا صحيحا. لكن سرعان ما تحولت إلى حكومة ترعى الفساد والمفسدين. و سرعان ما أظهر الواقع عدم مصداقية الكفاءات الحكومية. لأن الكفاءة ليست هي الشهادة العليا أو تجربة تسيير شركة، بل هي قدرة الشخص على القيام بعمل فيتم إحسانه و اتقانه ليصبح عملا متميزا قابلا للتصرف و للتصريف. و الكفاءة هي القدرة على تدبير الموارد المالية والبشرية من أجل تحقيق نتائج أكثر إيجابية بقليل من التكلفة، و تحويل التراكم السلبي للحياة العامة للمجتمع في البلاد إلى تراكم إيجابي لها، وكذلك حماية الوطن من نزيف ثرواته الطبيعية، البرية والبحرية و الغابوية و من اختناق اقتصاده و ماليته بوجود ظاهرة الأنشطة الريعية.

 

حكومة الكفاءات لا يمكنها جهل أو تجاهل هذا النوع من الاقتصاد الذي اعتبره الأكفاء في الاقتصاد بأنه من بين الأنشطة الطفيلية التي تصدى لها الرأسماليون منذ العهود الأولى. و لقد توصل آدم سميث و ريكاردو، مفكرا الرأسمالية بامتياز إلى ” وجود صراع بين البرجوازية و بين الفئات التي تعيش على الريع، على اعتبار أن الريع يؤثر على الربح الرأسمالي و على تقدم المجتمع ورفاهيته.”

 

لقد عرفت بلادنا على امتداد عقود من الزمن النشاط الريعي الذي ظل يطبع العلاقات السياسية و الاجتماعية. و ظل يساهم بشكل كبير في خنق الاقتصاد الوطني و في تبديد قدرات المجتمع على جميع المستويات، مما أدى إلى عرقلة انطلاق عجلة التنمية المستدامة والتقدم. و إن ما وصلت إليه البلاد من تراكم الديون الخارجية الذي بلغ في 2023 إلى حوالي 100 مليار دولار بزيادة 10 في المئة على أساس سنوي كان نتيجة تنامي الاقتصاد الريعي . و هو ما ساهم في المزيد من اختناق الاقتصاد الوطني و من تردي الأوضاع الاجتماعية للبلاد من خلال ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الخدمات الاجتماعية . و من تداعيات هذا الوضع الريعي هو تنامي ظاهرة البطالة والبطالة المقنعة والترويج في الممنوعات و في مقدمتها الكوكايين و أنواع الأقراص من حبوب الهلوسة التي تجتاح صفوف الشباب . إن النشاط الريعي في ظل حكومة” الكفاءات” يزداد توغلا و تنوعا و ضاربا أطنابه في البنية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد ،وهو ما جعل الفساد ينتشر و يطغى على حساب تقدم البلاد ورفاهية المجتمع ويحول دون تحقيق أية ثورة ديمقراطية حقيقية ولا ثورة اقتصادية تخرج البلاد من نفق الاستغلال و مخاطر التبعية .