الوضوح

شاركها

منعم وحتي: نهاية قصة حب حمراء..

نهاية قصة حب حمراء..

 

منعم وحتي – المغرب

منذ كنا صغارا، وحتى عهود الجيل الحالي، عشنا وسط وفرة وهبتها أرض هذا البلد، حيث من خير تربتها أينع ألذ البطيخ الأحمر “الدلاح”، وعند بعض قبائل المغرب يسمونه “الدلاع”، أكل منه الصغار والكبار، وأشبع جوع الفقراء بثمنه المتاح، بل حتى أن بهائمنا كانت جزء ممن استفاد من وفرة “الدلاح”، وأطفأ الجميع لهيب حرارة الصيف برطوبة هاته الفاكهة الخرافية، محبوبة المهمشين وهم يقضمونها في منعرجات الحواري وعلى قارعة الطرقات والأسواق، هو ذاك “الدلاع” الأزلي الذي لم يسلم من عشقه أيضا حتى سكان القصور وعلية القوم..
وتطوي الأزمنة بعضها، لتشح الآبار بفعل فاعل، وليزداد جشع المصدرين، ونهم لوبيات احتكار البطيخ الأحمر، ليستنزفوا الفرشة المائية إرضاء لطلبات الخارج، واستجداء للأورو والدولار.. ليضيع البطيخ الأحمر بين الأرجل، وليُنهي تجار السوء قصة حب أثرية بين فقراء هذا البلد ومعشوقتهم “الدلاحة”، وليرتفع ثمنه بشكل مهول، دائما بفعل فاعل وقد غادر أسواقنا الشعبية الداخلية، اتجاه الخارج..
أكيد أن مهمشي الحواري الذين أخمدوا جوعهم لسنين بمحبوبتهم، سيفتقدون ذاك الزمن الخصيب. ومن المؤكد أن الحصول على “دلاعة” كاملة سيُعَدُّ من باب الترف الغير متاح للجميع، وستتحول عادات تسويقه في الحواري والأسواق إلى اقتناء بالتقسيط، فبدل أن تجد في قفة الأسرة دلاحتين ضخمتين كما في السابق، تتفاجأ أن القدرة الشرائية انهارت ولن تسمح إلا بفص صغير في غلاف بلاستيكي، لن يتجاوز الكيلوغرام الواحد..
وحتى في الأزقة سيتحول بذخ الوفرة إلى مسخ النذرة، ليتم تقسيم الدلاحة المسكينة لمجزوءات تباع بالتقسيط..
لقد أنهى جشع تجار البطيخ الأحمر قصة حب رومنسية بين فقراء هذا البلد ومعشوقتهم الحمراء..