الوضوح

شاركها

فلسطين أزيد من 75 سنة:مستويات الحركة الاستعمارية و تطوره. المحور الثاني

فلسطين أزيد من 75 سنة :

مستويات الحركة الاستعمارية و تطورها.

المحور  الثاني

 

فادي بنعدي/ بوكسيل

 

تقديم:

 

تخليدا للذكرى 75 للنكبة، توصلنا بقراءة مهمة من الاستاذ فادي بنعدي، فاعل جمعوي و حقوقي مقيم في بروكسيل، مهتم بالشأن العربي و الدولي و مدافع شرس عن القضايا العادلة، سواء على المستوى المحافل الدولية، العربية و الوطنية بحكم مجال تخصصه و تجربته الحافلة لسنوات طويلة داخل العديد من  الاطارات الجماهيرية و المنظمات المناضلة، وطنيا، عربيا و دوليا.

 

هذه القراءة التي ننشر اليوم  محورها الثاني :مستويات الحركة الاستعمارية و تطورها بعد المحور الأول : الاطار الطبيعي لمناهضة الاستعمار و الاحتلال و التي سنختمها بالمحور الثالث:  مقاومة الجماهير الشعبية في المنطقة العربية و التحول التكتيكي و الاستعماري.

 

 تطور الحركة الاستعمارية و مستوياتها :

 

1. المستوى الدولي:

 

إضافة لما تطرقنا اليه في الجزء الأوا من هذا المقال، الاستعمار هو امتداد السيطرة لدولة أجنبية ما سياسيا واقتصاديا وعسكريا على منطقة وساكناتها، وهي غالبًا ما تملك تفوقًا تنظيميًا واقتصاديا وعسكريًا وتكنولوجيا. حركة ظهرت في أوروبا خلال القرن 15 بعد سقوط الأندلس واختلال موازين القوى إضافة للاكتشافات الجغرافية، فتوسعت خلال القرنين 18 و19 نتيجة السيطرة على الشعوب واستغلال مواردها وثرواتها في كل من إفريقيا وآسيا.

إن الحركة الصهيونية، وليدة هذه الحركة العنصرية الاستعمارية لا تتوقف عند هذا المنحى. لقد عملت على مسح تاريخ الشعب الفلسطيني ومسخ ثقافته وتهويد معالمه ومساهمته في الحضارة الإنسانية ونهب أراضيه وممتلكاته وجعلت من الميز العنصري ركيزة نهجها السياسي والإيديولوجي في آفاق تصفيته الجسدية وإنهاء قضية الشعب الفلسطيني وتوسعها في المنطقة كما كان حال الشعوب الأصليين لأمريكا وأستراليا.

 

 عوامل تطور الحركة الاستعمارية:

 

  • ثورة صناعية ونهضة أوربية.
  • كشوفات جغرافية التي أدت إلى تراجع الدور الريادي للعالم العربي والإسلامي في الحوض المتوسطي واختلال التوازن ما بين هذا الأخير والعالم الأوربي المسيحي.
  • ظهور وتصاعد المد القومي في أوروبا والرغبة في إنشاء إمبراطوريات واسعة لتحقيق المجد القومي الأوربي المسيحي والتخلص من الفائض السكاني والمشاكل الناتجة عن ذلك مثل البطالة والساكنة الغير المسيحية.
  • الحاجة إلى المواد الأولية لتلبية الحاجيات الضخمة للصناعة والرأسمال التوسعي.
  • البحث عن أسواق خارجية لتصريف الفائض من الإنتاج الصناعي.
  • البحث عن مجالات جديدة لاستثمار رؤوس الأموال وزيادتها وتنشيط الحركة التجارية بفتح الأسواق وتوسيعها.

 

ومن أجل السيطرة على موارد وثروات الشعوب واستغلالها وجعل اقتصاداتها تابعة لاقتصاد المستعمر وجعل المناطق المستعمرة سوقًا استهلاكية لمنتجات المستعمر، وتابعة له. أنشأت قواعد عسكرية لتأمين السفن الذاهبة إلى المستعمرات وتأمين طرق المواصلات في بعض البلدان. هكذا تم احتلالها لمواقع استراتيجية مثل مضيق جبل طارق، جزيرة مالطا، قبرص، قناة السويس، وخليج عدن.

إلا أن مقاومة الشعوب جعلتها تبحث عن عملاء محليين من أجل تطويع الشعوب وتأمين أهدافها الاستراتيجية، ولبلوغها عملت على تدمير الثقافات واللغات المحلية وتعويضها بثقافة ولغة المستعمر.

 

2. المستوى العربي:

 

العالم العربي والاستراتيجية الاستعمارية:

 

إن اهتمام الرأسمال الإمبريالي والحركة الاستعمارية بالمنطقة العربية والتركيز على غزوها والسيطرة عليها، إضافة لما تطرقنا له أعلاه، حيث تشكل حزاما مقابل لأروبا كما تشكل حزاما لإفريقيا على طول البحر الأبيض المتوسط من شرقه إلى غربه. إضافة لثرواتها الطبيعية المتنوعة، وخاصة مادة النفط وكذلك بطبيعة كثافتها السكانية فهي سوق استهلاكية أساسية للرأسمال الإمبريالي.

 

نظرا للمقاومة الشعبية في المناطق العربية تحت نفوذ السلطة العثمانية أو غيرها، اضطرت القوات الاستعمارية على اختلافها من بريطانية وفرنسية وإيطالية واسبانية… تعويض التهافت والتنافس فيما بينها بالوفاق والتفاهم على اقتسام الغنيمة مراده تقسيم المنطقة العربية إلى مناطق نفوذ تابعة لهذه القوات الاستعمارية، كطريق نحو تقسيمها وتجزئتها وتفتيت شعوبها.

 

تجزئة المنطقة العربية والهيمنة عليها واستغلال حاجياتها، هو ما عبرت عنه لجنة كونها أول وزير أول بريطاني “هانري كانبل-بانرمان” (Henry Campbell-Bannerman) المكونة من العشرات الجامعيين و الخبراء من عدة دول استعمارية أوربية لدراسة أوضاع المنطقة العربية آنذاك، نذكركم بأهم ما جاء في تقريرها نظرا لأهمية الحقائق التاريخية التي تضمنها التقرير و التي توضح تكريس واقع التقسيم و التجزئة الذي نعيشه اليوم:

“في هذه البقعة الشاسعة الحساسة يعيش شعب واحد، تتوفر له من وحدة تاريخية ودينية ووحدة لسان وآماله كل مقومات التجمع والترابط والاتحاد، وتتوفر له في نزعاته التحررية وفي ثرواته الطبيعية ومن كثرة تناسله كل أسباب القوة والتحرر والنهوض… فماذا لو دخلت الوسائل الفنية الحديثة ومكتسبات الثورة الصناعية الأوربية إلى هذه المنطقة؟ … وماذا لو انتشر التعليم وعمت الثقافة في أوساط هذا الشعب؟ ماذا سيكون إذا تحررت هذه المنطقة واستغلت ثرواتها الطبيعية من قبل أهلها؟ …

 

عند ذاك ستحل الضربة القاضية حتما بالإمبراطوريات الاستعمارية!…

ولمعالجة الموقف اقترحت اللجنة:

  1. على الدول الكبرى ذات المصالح المشتركة أن تعمل على استمرار تجزئة هذه المنطقة وتأخرها وإبقاء أهلها على ما هم عليه من تفكك وتأخر وجهل.
  2. ضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي في هذه المنطقة عن الجزء الأسيوي. ومن أجل ذلك حاجز بشري قوي وغريب. يحتل الجزء البري. الذي يربط أوربا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر الأبيض المتوسط. حيث يشكل في هذه المنطقة على مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة.”

 

بهذه المحددات والمنطلقات حققت الحركة الاستعمارية والرأسمال الإمبريالي وعملائهم في المنطقة، سياسة تجزئة المنطقة العربية وخلق أكثر من عشرين كيان سياسي مفصول، ولم تنتهي عملية التجزئة واصطناع كيانات وهمية، وزرع حاجز بشري غريب – الكيان الصهيوني – كقلعة متقدمة وأداة لتكريس العدوان ونهب خيرات شعوب المنطقة واستنزاف ثرواتها.

 

 

بعض محطات الاستراتيجية الاستعمارية:

 

عبر عدة مراحل في إطار استراتيجية عدوانية متكاملة، ساهمت فيها كل الدول الاستعمارية كما أدرجت الكيانات التي اصطنعتها عبر مراحل دقيقة نذكر بالبعض منها.

  • مؤتمر الجزيرة الخضراء التي افتتح في سنة 1906 وحضرته كل من فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، المملكة المتحدة (بريطانيا)، بلجيكا، هولندا، إيطاليا، النمسة-هنغارية، السويد، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والذي أختتم بتقسيم المغرب إلى ثلاث مناطق منطقة تحت النفود الدولي (12 دولة) ومنطقتي الشمال والجنوب تحت النفود الإسباني وباقي مناطق المغرب تحت النفوذ الفرنسي.
  • اتفاقيات سايكس بيكو السرية التي تم توقيعها في 1916، بعد مفاوضات بين فرنسا والمملكة المتحدة بموافقة روسية وإيطالية، على تقسيم الشرق الأوسط في نهاية الحرب (المنطقة الواقعة بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر والمحيط الهندي وبحر قزوين) إلى عدة مناطق نفوذ لصالح هذه القوى.
  • وعد آرثر جيمس بلفور (Arthur James Balfour )1917، وزير الخارجية البريطاني آن ذك، على شكل رسالة وجهها إلى ممول الحركة الصهيونية  ليونيل والتير روثشيلد (Lionel Walter Rothschild) بالشكل التالي:

عزيزي اللورد روتشيلد،

يسعدني أن أنقل إليكم، نيابة عن حكومة جلالة الملك، التصريح التالي الذي يتضمن التعاطف مع التطلعات اليهودية الصهيونية، والذي تم تقديمه إلى مجلس الوزراء والموافقة عليه.

تنظر حكومة جلالة الملك بإيجابية إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وستبذل كل ما في وسعها لتسهيل تحقيق هذا الهدف، مع العلم أنه لن يتم فعل أي شيء قد يؤثر على أي منهما. الحقوق المدنية والدينية للطوائف غير الموجودة في فلسطين، أو الحقوق والأوضاع السياسية التي يتمتع بها اليهود في أي دولة أخرى.

سأكون ممتنا لو تفضلتم باطلاع الاتحاد الصهيوني على هذا البيان.

 آرثر جيمس بلفور

  • تم تأكيد هذا الاتفاق سنة 1920 وإضفاء الشرعية عليه من خلال التفويض بشكل “الواجب” من عصبة الأمم في مؤتمر سان ريمو بإيطاليا، التي تم تأسيسها سنة 1919 بإيعاز من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
  • أصدر مجلس نفس عصبة الأمم في سنة 1922 قرارًا بالموافقة على اقتراح المملكة المتحدة باستبعاد شرق الأردن من كل أراضي فلسطين ودخل الانتداب النهائي حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 1923. وكان الانتداب هو إنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين على النحو المحدد في وعد بلفور لعام 1917 والمتضمن في بنود الانتداب.

 

هكذا ما بين الحربين تم تقسيم والسيطرة على المنطقة العربية، وبعد الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء منظمة الأمم المتحدة وإطفاء شرعية دولية بفرض تقسيم فلسطين بالقرار 181 وإنشاء الكيان الصهيوني. بتزكية من بعض الأنظمة المحسوبة على الصف التحرري، بتقديراتها الخاطئة في إنشاء بأر اشتراكية.

 

هكذا تم ضرب عصفورين بحجر واحد، إخلاء اليهود من أوروبا واستيطانهم في فلسطين واصطناع كيان امتدادا للحركة الاستعمارية وموكولها ورأس رمحها.

 

 يتبع المحور الثالث : مقاومة الجماهير الشعبية في المنطقة العربية و التحول التكتيكي الاستعماري