الوضوح

شاركها

عبد النبي التليدي: عصر نــهــايــة الإلــحـــاد

عصر نــهــايــة الإلــحـــاد

بقلم: عبد النبي التليدي
سبق للباحث الأمريكي “سام هارنيس” ان اصدر كتابا تحت عنوان “نهاية الإيمان” وذلك على ضوء ما خلصت إليه استنتاجاته عن واقع الناس المعاش وعن أثر الدين فيه ، وذلك من خلال إجابته عن أسئلة افترضها ، منها ؛  هل كان الناس  سيؤمنون بالأديان لو نزلت في عصرنا الحاضر؟ وهذا على ضوء صراعات الظاهرة الدينية والإرهاب والفكر العقلاني…
فقد لاحظ أن الاتجاهات الدينية في هذا  العصر  تتميز بالعنف وبالعصبية لأن أغلب الناس اعتنقوا ديانتهم انطلاقا من الإنجداب العاطفي والروحي من دون استخدام  المنطق والعلم فيه  الذي   يتنافى تماما مع ما تتضمنه الأديان ، لأنه ينفي وجود أدلة دامغة على وجود السلطة الإلهية ويؤكد أن الديانات الكبرى الثلاث ما هي إلا شكل من أشكال الجنون الاجتماعي وان عقائدها وطقوسها قديمة وغير عقلانية لا يشعر الإنسان بها داخله.
لذلك يرى أن العقل والحب والإخلاص هي ملائكة طبيعة الإنسان ، والشياطين هي الجهل والحقد والجشع الذي  يتستر داخل العقل البشري….
لكن ما لاحظته على الكاتب الأمريكي المذكور تبعا لاستنتاجاته السابقة انه  لم يكلف نفسه عناء البحث العلمي والموضوعي للأوضاع العامة في العالم من سياسية المتمثلة في طبيعة أنظمة الحكم السائدة من ليبرالية اوليغارشية إلى استبدادية وديكتاتورية بعيدة عن الديمقراطية الحقة وما تعنيه من حكم الشعب بواسطة الشعب ، هي اقرب من تسلط فئة صغيرة على فئات عريضة من المجتمع، وما أنتجته من اوضاع اجتماعية تتسم بفوارق كبيرة إلى حادة بين المواطنين جراء الأوضاع الاقتصادية التي فرضتها الفئة الحاكمة على الشعوب حيث استأثرت الأقلية بخيرات البلاد وثمرات الأوطان مقابل الفقر والفقر المدقع لأغلب ساكنة الكرة الأرضية.
وأيضا لم يسمح هذا  الباحث الأمريكي لخياله بالرجوع إلى الوراء وخصوصا إلى المرحلة الاستعمارية التي فرضها الغرب الاستعماري على الشرق والغرب الإسلاميين باعتباره قوة لا تنظر إلا الى مصالحها الاقتصادية بعد أن تطورت فيه الرأسمالية من تجارية إلى صناعية ثم إلى الرأسمالية المالية  فصارت تسمى لهذا بالامبريالية غايتها استغلال خيرات الشعوب واستعبادها واستثمار فائض القيم المالية التي تراكمت لدى هذه الدول الاستعمارية، بعد أن استباحت كل الوسائل رغم تعارضها مع طموحات تلك الشعوب وقيمها وحضارتها بل نهجت سياسة استئصال لتلك القيم والمبادئ حتى تلك المرتبطة بالجانب الروحي والديني للشعوب المستعمرة وتعويضها بالقيم الخاصة بها التي كانت تراها الاصلح والافيد  لتثبت بها أركان استعمارها وتديمه بما فيها من استيلاب الناس  وتجهيلهم الى قمع مادي وفكري و قتل لكل الرغبات المشروعة  في التحرر من ربق ذلك الاستعمار والحصول على الاستقلال .
هذا الاستقلال الذي لم تنله الشعوب إلا بعد كفاح طويل ومرير كلفها الأرواح والأموال وكبدها معاناة ومشاكل لا حصر لها بحكم قوة المستعمر الذي أباح لنفسه استعمال كل وسائل القتل والإبادة وبسبب ضعف إمكانات المقاومين له  من أجل الاستقلال ونقص في وسائلهم .
لذلك لم يكن استقلال جل الشعوب كاملا بل اضطر زعماؤها لأسباب ذاتية وموضوعية إلى القبول بسيادات منقوصة بحكم شروط المستعمر التي بوأته وجودا ظاهر وباطنا في أغلب مجالات حياة الدول المستقلة بما فيها المجال الثقافي… ناهيك عن المجال السياسي والعلاقات الخارجية بل لم تغادر هذه الدول الاستعمارية  مستعمراتها إلا بعد أن تركت فيها ما يشدها إليها ويمنع عنها كل تحرر نهائي سواء من خلال اتفاقيات كما اسلفت واعتمادا على عملاء لها ينفذون ما تمليه عليهم ، وفرضت في الشرق العربي دويلة إسرائيل التي كان لها ما بعده من ويلات لم تنته ولا يظهر أن لنهايتها موعدا قريبا أو نهاية سالمة.
وإذن لو بحث هذا  الباحث  على الأقل في هذه المرحلة لاستطاع بكل سهولة أن يجد أسباب ظاهرة الإرهاب ويعرف أنها ظاهرة ليست مرتبطة بأي دين حق أو انها حديثة المنشأ بل هي ظاهرة من فعل شيطان الإنسان الذي استعمر الشعوب المستضعفة وأستأثر بثمارها ومنع عنها من خلال حكامها الذين اختارهم لها، كل تحرر أو حتى الحلم بالديمقراطية التي يتباهى بها في دوله ..
وبذلك فإن العنف والعنف المضاد وكل أشكال الإرهاب هي نتاج صراع شر الناس في الأرض لتضارب مصالحهم واختلاف مطامحهم وتناقض رغباتهم ونتاج تدافع الناس هنا وهناك دون روية أو حكمة ودون أعمال للعقل الذي وهبه الخالق لخلقه ليسترشد به في حياته على هذه الأرض بسبب أنانية الإنسان وإيثاره لنفسه على غيره وحبه لتملك الأشياء انصياعا لغريزته التي ظلت بدائية عادة ومتوحشة في كثير من الأحيان والمناسبات دون أن يعمل على صقلها بعقله أو تهذيبها بتجاربه وثقافته وهو ما يمثل جنونا اجتماعيا حقيقيا أقوى مما وصف به الكاتب  الأديان.
لهذا كان الدين ليهدي الله به عباده إلى سبيل الرشاد فلم يتركهم سبحانه هملا تتخطفهم الأهواء والشهوات وتتقاذفهم الميول والرغبات؛  (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي على صراط مستقيم )الملك 22. ولوقاية الناس من التجبر في الأرض والفساد فيها تحت أي مسمى وحتى لا يكونوا كالأنعام كما يلاحظ على البعض معزالاسف الشديد (أولائك كالأنعام بل هم أضل أولائك هم الغافلون ) الأعراف 179.
هذا الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وهو الإسلام كما قال عز وجل: (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران 19 ، وكما قال أيضا سبحانه (ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران 85. وإنه ناسخ لما قبله من الديانات وأن محمدا خاتم الأنبياء والرسل.
هذه الديانات التي لم تكن أبدا شكلا من أشكال الجنون أو غير عقلانية كما يعتقد هذا الكاتب الأمريكي ، بل لم تصر كذلك عند بعض البشر إلا لجنون أصاب عقولهم فانعكس على سلوكهم .
 لهذا دعت الكاتبة الألمانية انجليكا نوفيرت في كتابها الذي اسمته “القرآن باعتباره نصا من الحقبة المتأخرة من العصور القديمة” الذي بلغ عدد صفحاته 800 صفحة، إلى عدم النظر المغلوط والمشوه عن الدينوبالخصوص منه الإسلام وطلبت وجوب التعامل معه باعتباره رسالة تستهدف أيضا غير المسلمين لدعوتهم للدين الجديد وفندت مزاعم افتقار الإسلام إلى التنوير.
ودعا غيرها من الغربيين المسيحيين إلى التعمق في الدين وبالأخص منه الإسلام وعددهم كبير صاروا مسلمين وبرسالته مؤمنين بعدما كانوا ملحدين ؛ والأسماء في هذا الشأن كثيرة خاصة بعد التقدم العلمي الذي صارت إنجازاته تثبت كثيرا مما جاء به القرآن الكريم في آياته البينات سواء في الفلسفة أو في الطب بل وفي كل مجالات العلم وما يهم الإنسان وحياته.
 وعليه فإن الزمن بخلاف استنتاج الباحث سام هآرنيس ليس زمن ” نهاية الايمان ” بل هو زمن نهاية الإلحاد وبداية حقيقية للإيمان ، (وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) كما ورد في القرآن.
وما يلاحظ من إرهاب في العالم  هو في الواقع  نتاج طبيعة السياسة التي انتهجها الإنسان الكفور الجهول ولنوع علاقته بأخيه الإنسان، الذين لا علاقة لهما بأي دين أو ايمان ، لأن تلك السياسة وهذه العلاقة تحصيل حاصل  لابتعاد الإنسان عن الايمان الصادق   وعن الحكمة التي هي ضالة المؤمن الذي هو أحق بأن يأخذ بها أنى وجدها وما ذلك على الله وعليه بعزيز .