الوضوح

شاركها

لماذا يتجرأ حزب العدالة والتنمية على الدولة ؟

لماذا يتجرأ حزب العدالة والتنمية على الدولة ؟

 

غريب محمد/ المغرب 

 

 

تساءل الكثيرون عن السبب الذي دفع الديوان الملكي إلى إصدار بلاغ للرد على بيان العدالة والتنمية المتعلق بالسياسة الخارجية للمملكة وبالموقف من القضية الفلسطينية. هذا التساؤل يبقى مشروعا خاصة إذا استحضرنا البيانات العديدة التي أصدرها اليسار المغربي والاحتجاجات الميدانية التي تم تنظيمها منذ أن اعتمد المغرب سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني والتي لم يكلف الديوان الملكي نفسه الرد عليها ولو بالإشارة.

 

إن عناصر الجواب على هذا التساؤل موجودة من جهة في نص البيان الذي أصدرته العدالة والتنمية ومن جهة أخرى في الارتباطات الخارجية لهذا الحزب بفاعلين إقليميين والتي تعرفهم جيدا الدولة المغربية.

 

تقول الفقرة الواردة في بيان حزب العدالة والتنمية والتي أزعجت الديوان الملكي بعد أن عبرت عن الاستهجان من مواقف وزير الخارجية، ما يلي: “الواجب الشرعي والتاريخي والإنساني يستلزم مضاعفة الجهود في هذه المرحلة الدقيقة دفاعا عن فلسطين وعن القدس )…( وفي الحد الأدنى التنديد بالإرهاب الصهيوني الذي لا يتوقف ”
إن المزايدة واضحة في عبارة “في الحد الأدنى” والإبتزاز واضح في عبارة “الواجب الشرعي” التي تحيل على الملك بصفته أميرا للمؤمنين والذي يدعوه الواجب الشرعي إلى الدفاع عن فلسطين وعن القدس. إن هذه العبارة تضع الشرعية الدينية للملكية على المحك، وهذا مالم يغب عن الديوان الملكي الذي يعرف جيدا أن الأحزاب والجماعات الدينية تسعى إلى منازعة الملك حق الحديث باسم الإسلام والمسلمين وذلك على الرغم من سياسة التقية التي ينهجها حزب العدالة والتنمية وعلى الرغم من نفاق أمينه العام الذي يجمع في خطابه بين الخبث والشعبوية والنفاق السياسي، وهي حيل لا يمكن أن تنطلي على المخزن.

 

يقول الفصل 41 من الدستور في فقرته الخامسة: “يمارس الملك الصالحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين والمخولة له حصريا بمقتضى هذا الفصل بواسطة ظهائر” وهذه الصلاحيات هي المعنية بعبارة “الواجب الشرعي” وليست مواقف وزير الخارجية ولا السياسة الخارجية للمملكة. لقد جاء في بلاغ الديوان الملكي بأن ” العلاقات الدولية لا يمكن ان تكون موضوع ابتزاز لا سيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة”. وهذا ما يقودنا للحديث عن الارتباطات الخارجية لحزب العدالة والتنمية.

 

الجميع يعرف ارتباط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بتركيا وقطر، وحزب العدالة والتنمية المغربي على الرغم من سياسة التملق التي ينهجها اتجاه الملك يعتبر ولاءه الأول والأخير لتنظيم الإخوان الذي تستعمله تركيا وقطر لتنفيذ المخططات المتعلقة بالسياسة الخارجية في المنطقة.

إن التحولات الجيوسياسية التي يعرفها العالم في هذه المرحلة قد فرضت على العديد من الدول مراجعة حساباتها
واستراتيجياتها خاصة في ظل تراجع دور وأهمية القوى الغربية في العلاقات الدولية. هذا التراجع الاستراتيجي فسح المجال أمام قوى إقليمية لتلعب دورها وتؤثر في مجريات الأحداث. ويمكن اعتبار كل من قطر والسعودية وإيران وتركيا من ضمن القوى الإقليمية التي تطمح إلى فرض نفسها على الساحة الإقليمية. وإذا كان سلاح الدين أداة فعالة في تغيير مجرى الأحداث، فإن دولا مثل تركيا وإيران والسعودية لن تفوت الفرصة لاحتكار الحديث باسم الإسلام والمسلمين.

 

هذه التحولات تعتبر مقلقة بالنسبة للدبلوماسية المغربية خاصة إذا انضاف إليها التقارب السعودي الإيراني وما يمكن أن يترتب عنه من تغيير في الخريطة الجيوستراتيجية للمنطقة حيث من المحتمل جدا وفي إطار الصراع على مناطق النفوذ ان تستعمل هذه الدول أدواتها في كل دولة عربية أو اسلامية بهدف الظهور بمظهر الدولة الإسلامية  الحريصة على قضايا الإسلام والمسلمين.

 

وليس هناك من هو أفضل من جماعة الإخوان المسلمين لتلعب هذا الدور لصالح قطر أو تركيا أو غيرها من الدول التي هي مستعدة لتدفع مقابل هذه الخدمة.

 

في ظل هذه الظروف يتدخل إذن حزب العدالة والتنمية للتشكيك في الدور الذي يمكن أن يقوم به الملك بصفته رئيس لجنة القدس وبصفته أمير المؤمنين، وهذا ما جعل الديوان الملكي يؤكد على أن “الموقف من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية لجلالة الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس”.

 

هذا التأكيد يمكن تفسيره بكون التفريط في القدس نظرا لقدسيتها لدى ملايين المسلمين يعني فقدان امتياز الحديث باسم الإسلام والمسلمين. وهذا الأمر ينطبق على كل من السعودية وإيران.

 

إن احتكار امتياز الحديث باسم الإسلام والمسلمين يعتبر أمرا في غاية الأهمية بالنسبة للدول الإسلامية خاصة تلك التي تستمد شرعيتها من الدين. إننا جميعا نتذكر كيف تم تكفير الخميني سنة 1982 من طرف الحسن الثاني ليقطع الطريق على أية إمكانية لتصدير المذهب الشيعي إلى المغرب. وكيف سارعت إيران- لتقطع الطريق على السعودية- إلى إصدار فتوى تبيح قتل سلمان رشدي مباشرة بعد صدور روايته الشهيرة “آيات شيطانية”. هذا السباق من أجل احتكار الحديث باسم الإسلام والمسلمين غير قائم فقط بين الدول بل تتدخل فيه أحزاب وجماعات إسلامية تنازع الدول هذا الحق. وبالرغم من كون هذا السباق بين الدولة المغربية وجماعات وأحزاب الإسلام السياسي يتم بشكل خفي إلا أنه يتكشف أحيانا عندما يتعلق الأمر بقضايا لها ارتباط بالمقدس مثل قضية
الإرث وقضية مدونة الأسرة وقضية القدس..

 

إن جدور المشكل بالنسبة للنظام المغربي تعود إلى الإستراتيجية التي اعتمدها للدفاع عن الصحراء المغربية والتي اختار أن يستفرد بهذا الملف دون إشراك الشعب المغربي في تدبير هذا الصراع مع أعداء وحدتنا الترابية. والتطبيع مع إسرائيل جاء في هذا الإطار . ولكن لسوء حظ الدبلوماسية المغربية، جاء أيضا في سياق دولي حافل بالمتغيرات ظهرت فيه إسرائيل عاجزة عن الدفاع حتى على نفسها وغير قادرة على فرض إرادتها على الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة، واستفحلت تناقضاتها الداخلية بين التيارات الدينية المتطرفة والعلمانيين اليهود، هذه التناقضات امتدت إلى الجيش مما يؤشر على هشاشة الكيان الصهيوني.

 

كما بدأت بيادق كل من الصين وروسيا وإيران تتقدم على رقعة الشطرنج العالمية في مقابل تراجع دور وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.

 

كل هذه المعطيات ستجعل النظام المغربي يرغب في ترك الباب مفتوحا لتغيير موقفه من إسرائيل تفاديا للعزلة التي يمكن أن تسعى الجزائر إلى دفعه إليها. هذا التغيير في استراتيجية المملكة وفي موضوع القضية الفلسطينية والقدس على الخصوص لا يمكن أن يتم إلا بتوجيه من المؤسسة الملكية وبالتركيز على صفة إمارة المؤمنين ورئاسة لجنة القدس. لكن في المقابل الدولة المغربية لا يمكن أن تقبل أن ينظر إلى هذا التغيير في السياسة الخارجية وكأنه استجابة لضغط داخلي أو مزايدة، خاصة من حزب العدالة والتنمية الذي شارك فعليا في تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني ويريد أن يتخلص من هذا “العار” بشكل انتهازي والظهور بمظهر من يلتزم “بالواجب الشرعي” وذلك على حساب إمارة المؤمنين.

 

يظهر إذن أن كلفة التطبيع مع الكيان الصهيوني ثقيلة على الدولة المغربية خاصة إذا استحضرنا نزوع دولة الأبارتهايد إلى تبرير سياستها الفاشستية تبريرا دينيا، من القتل وبناء المستوطنات وهدم بيوت الفلسطينيين وتكوين المليشيات المسلحة إلى تهويد القدس وجعلها عاصمة لهذا الكيان الاستعماري.

 

في هذا السياق الصعب إذن يكون حزب العدالة والتنمية قد اختار التوقيت غير المناسب للمزايدة على الدولة المغربية خاصة بالحديث عن “الواجب الشرعي” ومنازعة الملك حق استعمال الدين عندما يتعلق الأمر بالمقدس.

 

لكن يجب التأكيد على أن التطبيع خطأ استراتيجي فادح يؤكد من جديد على أن القوة الخارجية للدولة تستمدها من عناصر القوة الداخلية ومن تلاحم الجبهة الداخلية. إن إضعاف الأحزاب الوطنية والقوى الحية وخنق الحريات وعدم الإهتمام ببناء اقتصاد وطني حقيقي وإهمال التعليم والبحث العلمي.. كلها عوامل تؤدي في آخر المطاف إلى إضعاف الدولة خارجيا مما يجعل حزبا مثل العدالة والتنمية يتجرأ عليها ويجرب الاستقواء عليها بالخارج.