الوضوح

شاركها

فلسطين لا تريد إلّا الماء والهواء

فلسطين لا تريد إلّا الماء والهواء

 

بقلم: د.صلاح جمال/فلسطين

 

يبدو أن العالم قد استوعب بشكل طبيعي تماماً فكرة أنه ينبغي التعامل مع الصراعات المماثلة بمقاييس مختلفة، أي بالعدالة الانتقائية.

 

في غضون أسابيع قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، قررت مدينة برشلونة تعليق العلاقات المؤسساتية مع روسيا والتوأمة مع مدينة سانت بطرسبرغ حتى استعادة الحريات وحقوق الإنسان للأوكرانيين. أكثر من مئة من الجمعيات والمنظمات وآلاف المواطنين الداعمين لحقوق الإنسان في فلسطين، ناشدنا رئيسة البلدية السيدة كولاو، لنفس الأسباب التي اتخذتها في قرارها من أجل أوكرانيا، أن تستخدم نفس المعيار وتعلق التوأمة السخيفة والمتلاعب بها مع تل أبيب وغزة، التي أصدرها رئيس البلدية كلوس في عام 1998، وكذلك العلاقات المؤسسية مع دولة إسرائيل، التي تحتل الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967. في هذه الأراضي المحتلة، وذلك وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، منظمة العفو الدولية، ومنظمة حقوق الإنسان الدولية، يتم بشكل منهجي انتهاك حقوق الفلسطينيين. رئيسة بلدية برشلونة وجدت في التماسنا منطقاً لا يمكن دحضه. وأعلنت أن هذا الوضع غير مقبول، وبشجاعة، كما هو الحال مع مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا، قررت ذات المرسوم بالنسبة لإسرائيل وتل أبيب، وذلك بشكل مؤقت حتى استعادة الفلسطينيين للحرية وحقوق الإنسان.

 

ويا لها من مواجهه , لقد واجهنا الصهيونية وأتباعها، من أيوسو إلى كولبوني، مروراً بالمتعصبين والعنصريينً، وما إلى ذلك. ولكن قبل كل شيء، مع الأحزاب السياسية الممثلة في البلدية.

 

يوم الأربعاء، الخامس عشر من شباط، تم دعوتي إلى لجنة الجلسة العامة في بلدية برشلونة لتقديم سرد الجمعيات والمنظمات اللتي طلبت بالغاء التوئمة. كان لدي ست دقائق لإيصال رسالة الاثني عشر مليون فلسطيني الذين يعيشون في الشتات وتحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي القاسي، الذين غالباً ما يطرحون نفس السؤال: كيف يمكن للعالم كله، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية برائسة بايدن وأوروبا، اللتان تؤيدان حل الدولتين، أن يغض الطرف عن المصادرة التعسفية للأراضي الفلسطينية لبناء مستوطنات المحصنة للإسرائيليين المتعصبين في نفس الوقت؟ هذه المستوطنات والجدار غير القانوني، وفقاً لمحكمة لاهاي، فصلت البلدات والمدن الفلسطينية عن بعضها البعض بطريقة جعلت من المستحيل إقامة الدولة الفلسطينية التي وافق عليها المجتمع الدولي ويرغب في إقامتها.

 

لقد أوضحتُ لهم أن جميع البلدان غالباً ما تتلقى تقارير من المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة حول الفظائع الوحشية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون ضد السكان الفلسطينيين. عندما شرحت قصتي، لاحظت النظرات الضائعة لممثلي الأحزاب الذين استقبلوني بأدب مميز. ولكن كان من الواضح أنهم لم يستمعوا إليّ، بل كانوا قد أجروا التصويت وقرروا الخطاب مسبقاً. كنت أتحدث عن حقوق الإنسان وهم كانوا مهتمون بمهاجمة السيدة كولاو (يقومون بحملات انتخابية). لقد تجاهلوا أن تعليق التوأمة تم طلبه مِن قِبَل الفلسطينيين بدعم من آلاف المواطنين وأكثر من مئة وعشر منظمات وجمعيات، بما في ذلك الاتحاد العم للعمال (UGT) ولجان العمل ((CC.OO  وغيرها، ولم يكن تصرفاً قامت به رئيسة البلدية.

 

كانوا يكررون كليشيهات مثل، «أيها السادة، إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة». الديمقراطية لا تُعَرَّف على أنها وضع الأوراق في صناديق الاقتراع، بل في المواقف والتصرفات الديمقراطية. تقول الصحفية الإسرائيلية المشهورة أميرة حاس: “يوجد في إسرائيل ديمقراطية لليهود ودكتاتورية عسكرية للفلسطينيين”. لقد كتب المدعي العام الإسرائيلي السابق، مايكل بن يائير، في مقال: “يجب أن أختتم بحزن شديد أن بلدي قد غرق في هاوية أخلاقية وسياسية لدرجة أنه في الوقت الحالي هو نظام فصل عنصري”.

 

لا يوجد شخص أكثر عمى من الذي لا يريد أن يرى. قرأت مقالاً في هذه الصحيفة وقعه مؤرخ وحزبي ومعروف في سلوكه المبني على ردات الفعل ، أراد أن يكون مُضحكاً. لقد سخر هذا المؤرخ من السيدة كولاو وإحدى المؤسسات الموقعة “الماء حياة”، واصفا هذه الأخيرة بأنها تجهل الصراع. هذه المؤسسة، إلى جانب آخرين، كانت شجبت ما تقوم بها شركة Iberpotash del Bages الإسرائيلية من أفعال قذرة، حيث تلوث الأنهار وتحرم السكان الفلسطينيين من الوصول إلى المياه. وهذا العمل لا يعجب البعض.

 

ولكن أيضًا، هناك ساذجون بنوايا حسنة يناشدون عدم هدم «الجسور». لسوء الحظ، مع إسرائيل، التي ضربت وتضرب القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة بعرض الحائط منذ عام 1948، لا ينفع إلّا التدخل الفعلي والقوي من قِبَل المجتمع الدولي.

 

الكتاب والمعلقون الأعزاء، لا تجعلوا الفلسطينيات والفلسطينيين الذين يطالبون بتعليق اتفاقات التوئمة غير مرئيين، وتوقفوا عن التواطؤ في إغفال معاناتهم والظلم الذي يتعرضون له يومياً. استمعوا إلى المتضررين، ولا تتحدثوا باسمهم ولا تَخفوهم.