البيــان العـام الصادر عن المؤتمر الاندماجي
لحزب فدرالية اليسار الديمقراطي
يمثل المؤتمر الاندماجي لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي المنعقد أيام 16، 17 و18 دجنبر 2022 ببوزنيقة تحت شعار “مسارات تتوحد، يسار يتجدد”، تعبيرا عن إرادات سياسية لمكوناته، بغاية إعادة بناء اليسار المغربي وتوحيده، لإعطاء نفس جديد للنضال الديمقراطي الجماهيري، وإحداث نقلة نوعية تمكن من النفاذ إلى عمق المجتمع، ليتحول إلى قوة مؤثرة فاعلة في مجريات الحياة السياسية، وقادرة على تغيير موازين القوى في أفق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة. وقد تعزز، هذا الحدث التاريخي الوحدوي، بالانفتاح على مجموعات يسارية وفعاليات ديمقراطية، في إطار إعطاء مفهوم الوحدة عمقها المجتمعي ودلالاتها التكاملية.
وانعقد المؤتمر الاندماجي تزامنا مع ذكرى اغتيال الشهيد عمر بن جلون، باعتباره رمزا يساريا، نستحضر فكره وقيمه وتاريخه النضالي، ونستلهمه نبراسا ينير الطريق في انطلاقة هذا المسار الاندماجي.
تأتي هذه الخطوة التنظيمية والنضالية الفارقة على أساس:
– القراءة النقدية للتجارب اليسارية والاشتراكية والتقدمية المختلفة وطنيا ودوليا، ذات البعد الوحدوي وما قدمته من دروس في التحامها بجماهير شعوبها، واحتضان المجتمعات لنضالها الوحدوي الديمقراطي؛
– استيعاب طبيعة التحولات الكونية، والمتغيرات الجيوستراتيجية والجيوسياسية، التي أمْلت ضرورة التفكير في تجديد أدوات النضال الاجتماعي والمجتمعي، وآليات الخطاب السياسي بما يساير العصر؛
– الإيمان بالضرورة التاريخية لبناء يسار نقدي مجدد ومبتكر ومبدع، يرتكز على هويته الديمقراطية، والهوية الوطنية متعددة الأبعاد بعمقها الثقافي واللغوي والحضاري، قادرٍ على تخطي الأعطاب الذاتية والموضوعية المعوِّقة لمساره، والتي حالت دون إنجاز مهامه التاريخية. وهو ما يستدعي إحداث القطائع مع الثقافة والممارسات التي طبعت الحياة الحزبية المغربية وأفقدت السياسة نبلها القيمي، وعمقها الإنساني؛
– اعتبار حدث الاندماج، بأهدافه الرامية إلى إعادة بناء يسار يتجدد في دينامية مجتمعية، خطوة تاريخية لمد الجسور مع كل اليساريين وكافة الديمقراطيين، في تفاعل دائم مع مختلف التعبيرات الاحتجاجية لتستعيد السياسة نبلها، والعمل الحزبي جاذبيته، ومن أجل مغرب الديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وينعقد المؤتمر الاندماجي أيضا في سياق يتسم بالتعقيد والتركيب؛
فعلى المستوى الدولي؛ تتواصل الحروب الكلاسيكية والناعمة من أجل مزيد من بسط النفوذ على عالم جديد قيد التشكل والسيطرة عليه والتحكم فيه، وتسعى فيه مؤسسات الرأسمال المتوحش ومهندسوها، إلى تكريس الهيمنة وتأبيد الأحادية القطبية وتنميطها. في المقابل تواصل الدول الصاعدة مجابهتها لهذه الأحادية، كما تتصدى مختلف تعبيرات جبهة المقاومة لهذا التوجه التدميري للإنسانية، ومقدراتها الإيكولوجية، ومكتسباتها التاريخية، ما يعني أن الإنسانية بصدد مخاض تشكُّل عالم متعدد القطبية، لن يستقيم إلا بالانحياز إلى جبهة مناهضة الحروب، والدفاع عن السلم والحقوق الإنسانية في مناحيها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
أما على المستوى الإقليمي؛ فبعد إخفاق الشعوب في تحقيق تطلعاتها نحو الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية عبر انتفاضاتها المجيدة في حراكات ربيع 2011، وعودة بقايا الاستبداد إلى التحكم في هياكل الدول، ما ساهم في عرقلة التحول الديموقراطي في منطقتنا، فإن سمة الحرب بالوكالة، وتغذية الصراعات القبلية والإثنية والطائفية، واللجوء إلى تخريب الأوطان وعمرانها ومآثرها وثقافتها، لوأد التاريخ والذاكرة، تظل ثابتة؛ وهو ما يندرج ضمن استراتيجية المشروع الأمريكي الصهيوني.
وفي هذا الإطار تندرج محاصرة الشعوب وقواها التحررية، التي تشكل القضية الفلسطينية أيقونتها، حيث تتعرض لمؤامرات وضربات متعددة من جهات مختلفة، عبر التقتيل اليومي والتدمير المستمر لهوية الوجود الفلسطيني، والمشروع الوطني التحرري للشعب الفلسطيني الصامد. كما أن وتيرة إيقاع التطبيع المرتفعة التي تهرول إليها الأنظمة العربية لتقايض بها مصالحَها ونفوذَها، وتتاجر بمصالح الشعوب، تندرج ضمن مخطط صهينة المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، تواصل الشعوب مقاومتها، بمختلف الأشكال بما فيها الخروج إلى الشوارع للتعبير عن رفضها وإدانتها لكل مظاهر التطبيع.
أما على المستوى الوطني، وعلى الرغم من دروس الجائحة وعِبرها التي مثلت فرصة لمراجعة الاختيارات الاقتصادية والسياسية المتبَعة، وما أنتجته من تخلفٍ كرَّس التأخر التاريخي، فإن الدولة ما زالت مصرة على تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية المانحة، المتمثلة في التمادي في نهج سياسة التقشف والبطالة وإفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، وتكريس التفاوتات الاجتماعية والمجالية، والهجوم على مكتسبات الكادحين، وتفكيك الطبقة المتوسطة، وتدمير الخدمات العمومية، وخوصصة قطاعي الصحة والتعليم وتسليعهما، والرضوخ لضغوطات اللوبيات الاحتكارية الريعية. وفي هذا الإطار جاء قانون المالية لسنة 2023، خاليا من البعد الاجتماعي، منتصرا لمنطق التوازنات المالية الذي شكل ذريعة تاريخية للتملص من التزامات الحكومة تجاه الطبقة العاملة وعموم الأجراء، وضربِ القدرة الشرائية للمواطنين.
وعلى المستوى السياسي، فبعد إغلاق قوس 20 فبراير، واصلت الدولة استغلال الظرفية والأزمة الصحية للتراجع عن المكتسبات الجزئية في مجال الحريات إلى حد خنقها؛ عبر منع الاحتجاجات السلمية وقمعها، واعتقال ومحاكمة الصحفيين والمدونين، والتضييق على كل ذي رأي مخالف، واللجوء إلى مختلف الأساليب لإسكات الأصوات المعارضة، وهو ما أعاد تقوية الاستبداد والسلطوية. وباتت الانتخابات، التي من المفروض أن تكون تمرينا ديمقراطيا، ولحظة للتعبير عن الرأي الحر، أسيرةَ الإفساد بزواج المال والسلطة والانحياز المكشوف إلى الأعيان، مما أفسدها وأفرغها، عمليا، من مضمونها السياسي، وأدخلها في دائرة السلطوية الانتخابية، وكشَف، مرة أخرى، عن الوجه الاستبدادي للدولة التي أغلقت الحقل السياسي بتمييعه وتبخيسه ومحاصرته.
إن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي وهو يعقد مؤتمره الاندماجي، لإعادة بناء اليسار وتوحيده وتقويته باعتباره حاجة مجتمعية وتاريخية ملحة لمواجهة كافة التحديات المطروحة، فإنه:
1- يحيي عاليا كل المؤتمرات والمؤتمرين، ومناضلات ومناضلي المكونات الأربع لفيدرالية اليسار الديمقراطي وباقي الفعاليات، على الوعي الرفيع والتضحيات ونكران الذات والصمود من أجل انتصار الإرادة الجماعية، طيلة مدة التحضير لإنجاح المؤتمر الاندماجي باعتباره حدثا تاريخيا في الحياة السياسية الحزبية المغربية، وبغاية جعل الحزب اليساري المولود معبرا عن انتظارات وتطلعات الشعب المغربي، وقادرا على القيام بأدواره التاريخية لمواجهة الاستبداد والفساد، والنضال من أجل إرساء قواعد الديمقراطية عبر صيغة الملكية البرلمانية؛
2- يندد بكل مظاهر خنق الحياة السياسية وخنق الحريات من خلال قمع الاحتجاجات ومنعها ومصادرة الآراء المعارضة، ويعتبر أن راهن المغرب ومستقبله يستدعي إطلاق سراح معتقلي الحراكات وفي مقدمتهم معتقلي حراك الريف، والصحفيين والمدونين، وكل معتقلي الرأي باعتباره مدخلا للمصالحة بين الدولة والمجتمع، المؤسسة على قواعد الديمقراطية الكونية الضامنة للحقوق والحريات في شموليتها، والمحدثة للقطيعة مع الاستبداد والعقلية التحكمية الماضوية، وهو ما من شأنه أن يؤهل المغرب لمواجهة التحديات المطروحة؛
3- يدين كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني بأبعاده الاقتصادية والسياسية والثقافية والتربوية، ويحذر من عواقب موقف الدولة المستفز لمشاعر الشعب المغربي وقيمه، وقواه الوطنية والديمقراطية واليسارية المتشبثة بعدالة القضية الفلسطينية، بوصفها قضية وطنية، وحق الشعب الفلسطيني في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس؛
4- يعتبر أن الهوية المغربية في عمقها الإنساني تقوم على الانسجام التام بين مكوناتها العربية والأمازيغية والحسانية وكافة تعبيراتها الحضارية بغناها البنيوي والثقافي وأبعادها الوجودية؛
5- يطالب بإعمال الديمقراطية التشاركية في مختلف جوانب تدبير الشأن العام، وفي هذا الإطار ينبه إلى مخاطر تنزيل النقاش التشريعي، بخصوص مدونة الأسرة والقانون الجنائي وقانون الإضراب بعيدا عن المؤسسات المجتمعية وقنوات الحوار الاجتماعي، ودون الارتكاز على المرجعية الحقوقية الكونية؛
6- يجدد موقفه الثابت من قضية الصحراء المغربية، واستكمال الوحدة الترابية عموما “سبتة ومليلية والجزر الجعفرية” من خلال مقاربة شمولية تسعى إلى إيجاد حل سياسي نهائي، ارتكازا على المقاربة الديمقراطية، لفتح آفاق مغاربية متكتلة ومندمجة ومتعاونة؛
7- يطالب بالتعاطي مع قضية الهجرة، عموما، بمنظور ديمقراطي حقوقي، كما يطالب بتمتيع مغاربة العالم بحقوقهم الدستورية والسياسية، إعمالا لمبدأ المساواة، واستثمارا للكفاءات الوطنية وغيرها فيما يمكن أن يثري التنوع الثقافي والغنى البشري للوطن، ويحفظ الوضع الاعتباري للمهاجرين المغاربة في أرض المهجر.