الوضوح/وكالات
أصبحت مدينة جوهانسبورغ، التي تعد العمود الفقري لاقتصاد جنوب إفريقيا، من جديد، في قلب الجدل وعدم الاستقرار السياسي، بسبب سوء الحكامة وفشل سياسة التحالفات بين الأحزاب السياسية.
وتواجه الحكومة الائتلافية المحلية، بقيادة حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي)، انتقادات لاذعة متزايدة من جانب ساكنة المدينة الكبيرة وعدد من منظمات المجتمع المدني.
وبسبب التدهور، الذي يبدو أنه مجاني، للخدمات العامة، والعقود المزورة، والشعور العام باللامبالاة، فإن جوهانسبورغ المعروفة بالعامية باسم جوبورغ، توجد في حالة يرثى لها، في ظل إشكاليات عدة تعاني منها ضمنها الانقطاع المتكرر للمياه، وهشاشة البنيات التحتية العامة، وانقطاع التيار الكهربائي، وتفشي الجريمة.
وأمام هذا الوضع الكئيب، تعالت مؤخرا أصوات عديدة تطالب بإقالة عمدة المدينة كابيلو غواماندا وهو مستشار عن حزب يمثل أقلية (الجماعة) ويعد جزء من حكومة الوحدة الوطنية. وكان هذا الرجل قد انتخب في العام الماضي عمدة لهذه المدينة الكبيرة بدعم من حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي). وقد أعربت منظمات غير حكومية عن أسفها لعدم الاستقرار السياسي في جوهانسبورغ عزته إلى تسابق الأحزاب للمناصب القيادية أكثر من تركيزها على خدمة المواطنين.
وبدت مؤسسة (أحمد كاثرادا) ومنظمة (أوتا) ، في هذا الصدد ، محبطتين مما وصفتاه بـ”القيادة غير الكفؤة في هذه المدينة الكبيرة”.
وبالفعل، وخلال السنوات الأخيرة، فشل التحالف متعدد الأحزاب بقيادة (التحالف الديمقراطي) ويضم أيضا (المؤتمر الوطني الإفريقي) والحزب المعارض (المحاربون من أجل الحرية الاقتصادية)، في الاتفاق على المرشحين المناسبين لشغل منصب عمدة المدينة.
ولعل السبب الوجيه لهذا الاختلاف هو التوجهات الإيديولوجية المتباعدة لأحزاب الائتلاف التي تتنافس على الظفر بعمدية المدينة، مما أدى إلى حدوث اضطرابات داخل الحكومات الوطنية والاقليمية.
وفي هذا الصدد، قالت تيسا دومز، من مركز التفكير السياسي (ريفونيا سيركل)، في تصريح صحفي، إن “أزمة القيادة في المدينة والإخفاقات الخاصة لعمدة المدينة تنعكس في التدبير الأرعن وغير المسؤول لرسوم الكهرباء الإضافية، وانقطاع المياه، وتدهور البنية التحتية العمومية’’.
وأشارت المحللة دومز إلى أن سكان جوبورغ انتظروا طويلا على أمل أن يأتي السياسيون لإنقاذهم، مؤكدا على أن البلدية يجب أن تتحمل المسؤولية عن ترك الساكنة من بدون كهرباء ومياه.
وتابعت أنه على مر السنين، شهدت هذه المدينة الاقتصادية في جنوب إفريقيا انهيار سمعتها كمركز مالي مهم في القارة السمراء، حيث تراجعت في السنة الماضية من المركز 69 إلى المركز 83 في مؤشر المراكز المالية العالمية.
وبعد الانتخابات العامة التي جرت في 29 ماي الماضي، تزايدت الدعوات المطالبة بإقالة غواماندا، بما فيها دعوات بعض الشركاء في حكومة الوحدة المحلية، مما يتعارض مع اتفاق الائتلاف الوطني، حيث أبرم حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي) و(حركة إس أ) اتفاقا للإطاحة بعمدة المدينة وكذا برئيسة المدينة مارغريت أرنولدز.
إلا أن زعيم حزب (الجماعة)، جانيف هندريكس، بدا صارما وهو يؤكد أن “غواماندا لم ولن ينسحب، وسيبقى عمدة المدينة’’، مشيرا إلى أن الأحزاب الصغيرة التي آمنت بحكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد الانتخابات الأخيرة، تدرك الآن أن ما أعطي لها يمكن أن ي ؤخذ بسهولة، مما يهدد وحدة الائتلاف الوطني
وغواماندا، الذي يقع حالي ا في قلب الجدل، كان قد نجا من الإقالة بأعجوبة بعد سحب التماس حجب الثقة كان من المقرر تقديمه ضده، حيث فشل عدد من دعاة هذا الالتماس في الحصول على دعم (التحالف الديمقراطي) الذي كان حزب المعارضة الرئيسي والذي بدد أي احتمال لإقالة عمدة المدينة.
ومع ذلك، لا يمكن تحميل غواماندا وحده المسؤولية عن ركود الحاضرة الاقتصادية للبلاد، لأنه تم انتخابه عمدة فقط في ماي 2023. إذ أن فشل سياسة التحالفات بين الأحزاب السياسية المهووسة بالحصول على السلطة أكثر من أي شيء آخر، السبب الرئيسي لهذا الركود.
إن الانهيار الداخلي الذي شهدته الحكومات الائتلافية في جوهانسبورغ على مدى سنوات عديدة يجسد بوضوح مخاطر إقامة تحالفات “متباعدة إديولوجيا”.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنهار فيها حكامة مدينة في جنوب إفريقيا بسبب سياسة التحالف. وقد حدثت حالات مماثلة في جميع أنحاء البلاد في مدن كبرى مثل نيلسون مانديلا باي، وتشوان.
وبات واضحا أن هذه الحركات، التي تبدو فوضوية، أصبحت واقعا أكثر فأكثر مع احتدام الصراع الحزبي السياسي بين حزب (المؤتمر الوطني الإفريقي) المحتكر للسلطة منذ 30 عاما على الرغم من تراجع شعبيته وأبرز أحزاب المعارضة بقيادة حزب (المحاربون من أجل الحرية الاقتصادية) وحزب (إم كا) لزعيمه الرئيس السابق لجنوب إفريقيا جاكوب زوما.