أجرى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، يوم الثلاثاء 9 شتنبر 2025، اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، تناول سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية المعمقة بين المغرب وروسيا، ومواصلة الحوار السياسي، فضلا عن مناقشة الاستحقاقات الثنائية المقبلة وعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ويندرج هذا الاتصال في سياق دينامية دبلوماسية يعرفها المسار المغربي الروسي منذ سنوات، في ظل حرص البلدين على تطوير علاقاتهما بما ينسجم مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة.
وترتبط العلاقات المغربية الروسية بجذور تاريخية وتعود ايضا إلى الحقبة السوفياتية، حيث احتضنت موسكو عددا من الطلبة المغاربة في مختلف التخصصات العلمية، وهو ما ساهم في خلق جسور إنسانية ومعرفية، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، دخلت العلاقات مرحلة جديدة تقوم على التعاون الاقتصادي والسياسي، لتتطور تدريجيا نحو توقيع اتفاقيات تجارية وزراعية وأمنية.
وقد شكلت زيارة جلالة الملك محمد السادس إلى موسكو سنة 2002، ثم زيارة 2016 التي توجت بتوقيع “إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة”، منعطفا حاسما في مسار هذه العلاقات، إذ أبرزت إرادة سياسية عليا لإرساء تعاون متعدد المستويات، لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي بل يشمل مجالات الأمن، الطاقة، الثقافة والتعليم.
ففي المجال الاقتصادي، تعد روسيا أحد أهم الشركاء التجاريين للمغرب، خصوصا في قطاعي الفلاحة والطاقة، إذ يستورد المغرب كميات مهمة من الحبوب والطاقة من روسيا، في حين يعتبر مصدرا أساسيا للمنتجات الفلاحية والبحرية نحو السوق الروسية، ويعكس هذا التبادل نوعا من التكامل الاقتصادي الذي تسعى الحكومتان إلى تعزيزه عبر آليات تشاور ولجان مشتركة.
كما برز التعاون في مجال الطاقة كأحد المحاور الرئيسية، سواء من خلال استيراد الغاز الطبيعي والفحم، أو عبر بحث فرص الاستثمار في الطاقات المتجددة التي يراهن عليها المغرب كخيار استراتيجي لمستقبله الطاقي.
وعلى المستوى السياسي، يسعى المغرب إلى الحفاظ على علاقاته المتوازنة مع روسيا في ظل التوترات الدولية الراهنة، سواء تلك المرتبطة بالأزمة الأوكرانية أو بالتنافس الغربي-الشرقي على إفريقيا. وفي المقابل، تنظر موسكو إلى المغرب باعتباره بلدا محوريا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل وبوابة نحو الفضاء الإفريقي الأطلسي.
ويعكس الاتصال الهاتفي بين بوريطة ولافروف رغبة الجانبين في تأكيد الطابع الاستراتيجي لهذه العلاقة، خاصة في ضوء التطورات الجيوسياسية العالمية المتسارعة، حيث تحتاج الرباط إلى تنويع شركائها الدوليين، فيما تحتاج موسكو إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي والاقتصادي في القارة الإفريقية.
ولم تغب القضايا الإقليمية عن جدول مباحثات بوريطة ولافروف، خصوصا تلك المرتبطة بالشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يلعب المغرب أدوارا متوازنة في الوساطة والحوار، بينما تواصل روسيا حضورها الفاعل في ملفات عدة كسوريا وليبيا، أما على الصعيد الإفريقي، فإن موسكو تتابع باهتمام المبادرات المغربية، خاصة ما يتعلق بالاندماج القاري، الأمن البحري والتعاون جنوب-جنوب.
وتشير المؤشرات إلى أن العلاقات المغربية الروسية مرشحة لمزيد من التطور خلال المرحلة المقبلة، خاصة مع استعداد الجانبين لعقد استحقاقات ثنائية جديدة، فالرباط، من جهتها، تراهن على جذب الاستثمارات الروسية في قطاعات استراتيجية كالموانئ، الصناعات الغذائية، والتكنولوجيات الجديدة، بينما تراهن موسكو على تعزيز حضورها التجاري والاقتصادي عبر بوابة المغرب، الذي يوفر استقرارا سياسيا وموقعا جيوستراتيجيا فريدا.
ويرى محللون أن الاتصال الهاتفي بين بوريطة ولافروف ليس مجرد إجراء دبلوماسي روتيني، بل يأتي كتأكيد متجدد على أن العلاقات المغربية الروسية تمضي في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية المعمقة، وفق رؤية تسعى إلى تحقيق التوازن السياسي والاقتصادي، ومواكبة التحولات الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل هذه العلاقات واحدة من أهم أوراق المغرب في تنويع شركائه الدوليين، وضمان موقعه داخل معادلة التوازنات العالمية الجديدة.