يقترب مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط من إنهاء أشغال التهيئة الكبرى، في أفق دخوله حيز التشغيل سنة 2027، ضمن واحدة من أهم المشاريع المهيكلة التي تعكس الرؤية الاستراتيجية للمغرب في تعزيز مكانته الجيو-اقتصادية على خريطة التجارة الدولية والملاحة البحرية. ويأتي هذا الورش الضخم في سياق تنامي رهانات الربط البحري العالمي، وحرص المملكة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، على ترسيخ موقعها كبوابة بين إفريقيا، أوروبا، وأمريكا، من خلال شبكة متكاملة من الموانئ الحديثة.
يمتد المشروع في موقع استراتيجي على الواجهة المتوسطية الشرقية، بالقرب من الناظور، ويضم ميناء بحرياً جديداً مجهزاً بمحطات متخصصة في مناولة الحاويات، ونقل المحروقات، والسلع المتنوعة، إضافة إلى فضاءات لوجستيكية وصناعية مرافقة. ويُرتقب أن يُشكل هذا الميناء، عند تشغيله، قطباً اقتصادياً وتنموياً رئيسياً بجهة الشرق، وسيساهم في جذب الاستثمارات، وتطوير الصناعة، وخلق آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة.
وقد منحت شركة “مرسى المغرب” امتياز تدبير محطتي الحاويات الشرقية والغربية، بموجب عقد طويل الأمد يمتد لـ 25 سنة، ما يعكس الثقة في الخبرة الوطنية في مجال الاستغلال المينائي، ويؤكد الانخراط الفعلي للقطاع الخاص الوطني في إنجاح هذه البنية التحتية الحيوية. وسيسمح ذلك بضمان تدبير فعال وعالي الجودة لعمليات الشحن والتفريغ، مما سيُعزز من تنافسية الميناء على المستوى الإقليمي والدولي.
ويُعد ميناء الناظور غرب المتوسط مكملاً استراتيجياً لميناء طنجة المتوسط، الذي أصبح أحد أكبر الموانئ في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكذلك لميناء الداخلة الأطلسي قيد الإنجاز في أقصى جنوب المملكة، مما يبرز وضوح الرؤية المغربية نحو إقامة شبكة مينائية ثلاثية الأقطاب، قادرة على تغطية شمال وجنوب وشرق المملكة، وتحقيق التكامل الترابي والاقتصادي، وربط المغرب بشكل فاعل بالممرات التجارية الدولية الكبرى.
كما ينتظر أن يساهم هذا المشروع في تعزيز السيادة اللوجستيكية للمغرب، وتحسين مناخ الأعمال، وتطوير قطاعات ذات قيمة مضافة عالية مثل الصناعة، والصادرات، والخدمات المرتبطة بالتجارة العالمية، وهو ما يندرج ضمن أهداف النموذج التنموي الجديد للمملكة، الذي يراهن على البنية التحتية كرافعة أساسية للإقلاع الاقتصادي.
إن مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط لا يشكل فقط منشأة بحرية جديدة، بل هو مكون أساسي في التحول الاستراتيجي للمغرب إلى مركز إقليمي للربط القاري بين إفريقيا، أوروبا، وأمريكا، ومنصة متعددة الوظائف تلبي متطلبات الاقتصاد العالمي المعاصر، في عالم يتجه نحو تعظيم دور الموانئ الذكية في سلاسل القيمة العالمية.