الوضوح

شاركها

تفكيك شبكة خطيرة للاستيلاء على أراضي الدولة بفاس

تمكنت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمدينة فاس من إسقاط شبكة إجرامية متخصصة في السطو على عقارات الدولة، حيث كانت تُسجل هذه الأراضي باسم أشخاص بسطاء تم استغلال جهلهم، قبل إعادة بيعها بمبالغ طائلة. وتورط في هذه الأفعال الخطيرة عدد من الموظفين بإدارات عمومية، وموثق شهير، إلى جانب محامية تولت مهام قضائية مشبوهة.

وبناء على التعليمات الصارمة للوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، تقرر تجميد الأرصدة البنكية والممتلكات العقارية والمنقولة للموثق المتورط، بالإضافة إلى إغلاق الحدود في وجهه رفقة المحامية المشتبه بها، في انتظار اتساع التحقيقات للكشف عن باقي المتورطين، وخصوصاً بعض المسؤولين بالمحافظة العقارية، وإدارة أملاك الدولة، والمديرية الجهوية للضرائب.

وكشفت الأبحاث والتحريات أن الشبكة تتكون من مجموعة متكاملة الأدوار، حيث كان الرأس المدبر المسمى “محمد.ب” يتوفر على سيولة مالية كبيرة، في حين تولى الموثق “م.ه.ح” إعداد عقود بيع وهمية مدعومة بخبرته الطويلة في المعاملات العقارية منذ سنة 2000، مستفيدًا من ثغرات إدارية، وتواطؤ محتمل داخل الإدارات العمومية.

وتعتمد الخطة الإجرامية على استغلال أراضٍ مملوكة للدولة، ونقل ملكيتها شكليًا لأشخاص بسطاء لا دراية لهم بالإجراءات القانونية ولا بخبايا المعاملات العقارية، ويتم اختيار هذه العقارات بعناية، خاصة تلك المثقلة بالديون، حيث يتولى زعيم الشبكة تسديد الديون باسم الضحايا، ثم يحصل على شهادة الملكية بأسمائهم، ليعيد شراءها منهم نقدًا.

وبتفحص سجلات التحصين الخاصة بالموثقين، تبين أن غالبية العقود التي أبرمها هذا الأخير تم إدراجها في سجلات غير مؤشر عليها من طرف رئيس المحكمة الابتدائية بفاس، ما أثار شبهات قوية، خصوصاً أن الموثق يمارس المهنة منذ أكثر من عقدين. وأمام عناصر الشرطة، لم يتمكن من تقديم مبررات منطقية، مدعيا أن الأمر مجرد “سهو إداري”.

أما المعطيات البنكية، فقد أظهرت استمرار زعيم الشبكة في تحويل مبالغ مالية لفائدة “البائعين” بعد تواريخ إبرام العقود، وهو ما يناقض كلياً ما ورد فيها من تصريحات، إذ تضمنت أن الأداء تم لحظة التوقيع على العقود بحضور الموثق. كما تبيّن زيف الادعاءات بشأن استعمال شيكات، حيث أكدت التحريات عدم توفر المتهم الرئيسي على أي حساب بنكي في الوكالة البنكية المشار إليها في العقود.

وفي اعترافاته، أقر المتهم الرئيسي بأنه لم يسبق له أن سلّم أي شيك لأي من الأشخاص الذين تم توثيق العقود معهم، وأن جميع المعاملات تمت نقدًا، خلافًا لما ورد في الوثائق الرسمية التي حررها الموثق. كما أكدت التحريات عدم سحب أي مبالغ بنكية تتطابق مع المبالغ المذكورة في العقود، مما يؤكد أنها كانت مجرد صيغ شكلية لغرض التمويه.

ولتفادي افتضاح هذه العمليات، خاصة أثناء المراجعة الضريبية، كانت الشبكة تلجأ إلى رفع دعاوى قضائية باسم الضحايا ضد إدارة الضرائب، بهدفين رئيسيين: أولاً، كسب الوقت إلى حين بلوغ تقادم العقار قانونياً، وثانيًا، إخفاء عملية البيع الرسمية عن الشخص الذي تم تسجيل العقار باسمه. وكانت محامية، ضمن المتورطين، تتكلف بتدبير هذه الدعاوى أمام المحاكم.

وينتظر أن تطيح التحقيقات الجارية برؤوس أخرى، خاصة داخل المؤسسات العمومية التي تم اختراقها بشكل مفضوح، مما يفتح النقاش مجددًا حول مسؤولية الرقابة الداخلية في حماية ممتلكات الدولة من مافيات العقار، وحول ضرورة مراجعة أنظمة توثيق العقود العقارية بما يمنع تكرار مثل هذه الفضائح.