الوضوح

شاركها

معاناة ساكنة تطوان مع البعوض..بين مشاريع متعثرة وتراخي الجهات المعنية

في وقت تتطلع فيه مدينة تطوان إلى تحسين جودة الحياة من خلال مشاريع تنموية وأشغال تهيئة حضرية متواصلة، تعيش فئات واسعة من ساكنتها وضعًا بيئيًا مزعجًا ومتدهورا، عنوانه الأبرز: الانتشار الواسع والمقلق للبعوض. هذه الحشرات، التي تكاثرت بأعداد هائلة خلال الأشهر الأخيرة، تحولت إلى مصدر قلق كبير للأسر، خصوصًا في الأحياء المحاذية لوادي المنحش، وبعض المناطق القريبة من الغابات الحضرية والحدائق العامة.

يشتكي المواطنون من غياب إجراءات استباقية جادة للحد من هذه الظاهرة، ويعبرون عن استغرابهم من الصمت المطبق للسلطات المحلية، التي كانت في السابق تسارع إلى اتخاذ خطوات وقائية، خصوصًا عند اقتراب الزيارات الملكية الصيفية. اليوم، تبدو هذه الجهات متراخية وغير مبالية، رغم تفاقم الوضع البيئي والصحي في عدد من الأحياء.

●وادي المحنش… مشروع لم يكتمل وأزمة تفاقمت

من الأسباب الجوهرية التي ساهمت في هذا الوضع، تعثر مشروع تهيئة وادي مارتيل (المحنش)، الذي كان يُرتجى أن يشكل نقلة نوعية في تحسين النسيج البيئي للمنطقة. هذا المشروع، الذي رُصدت له ميزانيات مهمة، لم يُستكمل حتى اليوم، مما أبقى أجزاء واسعة من الوادي في وضعية بيئية كارثية: مياه راكدة، نفايات عضوية، مستنقعات صغيرة، وقنوات مفتوحة.

هذه البيئة العشوائية شكلت أرضية مثالية لتكاثر البعوض بمختلف أنواعه، والذي بدأ في غزو الأحياء المجاورة، لا سيما ليلاً، متسببًا في مضايقات حقيقية للسكان، خاصة الأطفال والمسنين. بعض المواطنين أكدوا أن الأمر لا يقتصر على الإزعاج، بل تعدّاه إلى أعراض صحية كالحساسية، والحكة الجلدية، واضطرابات النوم، ما جعلهم يتساءلون عن مسؤولية الجهات المكلفة بتدبير الشأن المحلي، وعلى رأسها الجماعة الحضرية لتطوان.

●المساحات الخضراء… رئة بيئية أم مرتع للحشرات؟

في سياق توسيع المجال الحضري وتحسين المنظر العام للمدينة، شهدت تطوان توسعًا ملحوظًا في المساحات الخضراء، سواء من خلال إنشاء حدائق جديدة أو إعادة تهيئة المناطق المحيطة بالغابات الحضرية. غير أن هذا المكسب لم يُواكب بسياسة صيانة دورية فعالة، فتحولت العديد من هذه الفضاءات إلى أماكن مهملة، تغيب عنها النظافة وتكثر فيها المياه الراكدة وأكوام الأوراق والأشجار الكثيفة غير المقلّمة.

وبالتالي، تحولت هذه المساحات إلى مأوى مثالي لتكاثر البعوض وباقي الحشرات كالذباب، في ظل غياب تدخلات مستدامة من الجهات المختصة. وتساءل بعض الفاعلين الجمعويين بالمدينة عن جدوى هذه الاستثمارات إذا لم تُواكب بحماية بيئية مستمرة تضمن سلامة المواطنين، بدل تركهم فريسة لحشرات موسمية تهدد راحتهم وصحتهم.

●الرش الموسمي ومحاربة النموس

من الملاحظات المثيرة في هذا السياق، ما عبّر عنه العديد من السكان، بقولهم إن الجماعة الحضرية والمصالح المختصة كانت في سنوات سابقة تنظم حملات رش مكثفة ضد الحشرات، خصوصا مع حلول فصل الصيف أو تزامنا مع الزيارات الملكية الميمونة لتطوان. حينها، كان يلاحظ نشاط غير مسبوق يشمل تنظيف الأزقة، وتطهير المجاري، ورش المبيدات في النقاط السوداء.

لكن هذا العام، ومع إقامة الملك بمدينة المضيق بدل تطوان، لاحظ المواطنون تراجعًا واضحًا في مثل هذه الإجراءات، ما جعلهم يربطون التدخلات بموسمية المناسبات فقط، لا بحاجيات السكان اليومية. وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول علاقة تدبير الشأن البيئي بروح المواطنة، وهل يُمارَس من منطلق الخدمة العمومية أم فقط لتجميل الواجهة خلال المناسبات الرسمية؟

●انتشار البعوض… مؤشر على خلل هيكلي

إن ما تعيشه تطوان من انتشار غير مسبوق للبعوض، لا يُعد إزعاجًا صيفيًا عابرًا، بل مؤشرًا على خلل بيئي وهيكلي يتوجب معالجته بجدية. فالمشاريع المتعثرة، كتهيئة وادي المنحش، والمساحات الخضراء غير المؤهلة، وسوء تدبير حملات الرش، كلها عناصر تُضعف قدرة المدينة على التصدي للتحديات البيئية والصحية.

●القطاع السياحي.. المتضرر الصامت من فوضى البعوض

في مدينة تراهن على السياحة كرافعة اقتصادية، يشكل انتشار البعوض عاملًا سلبيًا يؤثر بشكل مباشر على جاذبية تطوان ونواحيها لدى الزوار. فقد أعرب عدد من الزوار، خصوصًا العائلات القادمة من مدن داخلية وخارجية، عن انزعاجهم الشديد من كثرة الحشرات في الفضاءات العامة، وحتى قرب بعض الوحدات الفندقية ورياضات الضواحي.

هذا الواقع أثّر أيضًا على مشاريع سياحية ناشئة، مثل مطاعم ومقاهٍ وفضاءات ترفيهية، كانت تراهن على تقديم تجربة هادئة وسط الطبيعة، لكنها تواجه الآن عزوفا نسبيًا بسبب المضايقات الليلية الناتجة عن تكاثر البعوض. وقد عبّر بعض المهنيين في القطاع السياحي عن تخوفهم من تراجع الإقبال على المدينة، مما قد يتسبب في خسائر اقتصادية في موسم يُفترض أن يكون ذروة النشاط السياحي.

●دعوة إلى تحرك عاجل ومندمج

في ظل هذا الوضع، بات من الضروري أن تتحرك الجماعة الحضرية، والسلطات الإقليمية، والجهات البيئية المختصة، لصياغة خطة شاملة ومندمجة لمواجهة هذه الظاهرة، ترتكز على رؤية استباقية، لا على ردود فعل ظرفية. كما يجب إشراك المجتمع المدني والجمعيات البيئية في تتبع ومراقبة هذه التدخلات، بما يعيد الثقة للمواطن ويضمن عدالة بيئية وصحية لجميع الساكنة.