ما إن أعلنت السلطات عن قرار منع أسواق بيع الأغنام في عدد من المدن والمراكز القروية، حتى برزت ظاهرة جديدة تعيد رسم خريطة تجارة “الحولي” قبيل عيد الأضحى، حيث انتعشت بشكل لافت حركة البيع والشراء داخل “الكوريات” الواقعة في البوادي المحيطة بالمدن، بعدما تحولت إلى أسواق بديلة يؤمها الباحثون عن الأضحية.
ووجد المواطنون أنفسهم في ظل غياب الأسواق الرسمية، مضطرين إلى التنقل خارج المدينة، قاصدين القرى والمداشر القريبة حيث يحتفظ الكسابة والمربون بما تبقى لديهم من قطعان الأغنام داخل “كوريات”، حيث تحولت هذه الفضاءات، التي كانت مخصصة لتربية القطيع طيلة السنة، إلى محطات موسمية لعرض الخرفان، وسط تزايد الإقبال، في مشهد فوضوي يستغله بعض السماسرة لرفع الأسعار.
وقفزت خلال ساعات وبشكل مفاجئ أسعار “الحولي”، إذ ارتفعت إلى مستويات تقترب مما كان عليه الحال خلال عيد الأضحى الماضي، رغم أن الفترة ما تزال في بدايتها، ورغم غياب أجواء السوق التي كانت تفرض نوعا من التوازن بين العرض والطلب، ما أربك ميزانية العديد من الأسر، التي كانت تأمل في أن تجد ضالتها في هذه الكوريات بأسعار أقل، فإذا بها تصطدم بأثمنة لا تختلف كثيرا عن السنوات السابقة، وربما تفوقها في بعض الأحيان.
وعاينت الجربدة خلال جولة إلى إحدى القرى المجاورة لمدينة وزان، مشهد سيارات متتالية تقل زبائن قدموا من المدينة، متجهة نحو أحد “الكوريات” للبحث عن “الحولي” المناسب، وهناك التقينا بصاحب “الكوري”، الذي أكد لنا أن الإقبال هذه السنة بدأ مبكرا، بفعل إغلاق الأسواق وضعف الخيارات أمام المواطن، حيث قال: “الناس ما عندهم فين يمشيو، كيجيو عندنا يقلبو على الثمن المناسب، ولكن حتى الكسابة مضغوطين هاد العام، العلف غالي وكاين خصاص في الطلبات الكبيرة”، يقول وهو يشرف على عرض خروف أمام أحد المشترين.
من جهتهم، عبر عدد من الزبائن عن امتعاضهم من الظروف المحيطة بعملية الشراء، حيث تغيب معايير المراقبة والتقنين لغياب الترقيم على أذن الخروف، وتترك الأمور بالكامل لتقديرات المربي وثقة الزبون، كما أن الأثمنة تختلف من “كوري” إلى آخر، والنقاشات لا تخلو من الشد والجذب، خاصة في ظل غياب الوسيط المعتاد، أي السوق الأسبوعي، الذي كان يتيح للزبون معاينة عروض متعددة في مكان واحد.
ويرى متتبعون أن قرار المنع، رغم ما يحمله من مصلحة للقطيع الوطني والمواطنين، لم يرافقه أي بديل عملي أو خطة واضحة لتنظيم البيع خارج الأسواق، ما أدى إلى تفريغ الفضاءات المنظمة وتفريخ نقاط بيع غير خاضعة للرقابة، كما حذر البعض من أن انتشار هذه التجارة العشوائية قد يحمل مخاطر بيطرية حقيقية، خصوصا في حال تسرب أمراض غير مرصودة إلى القطيع.
وبينما يواصل المواطنون رحلاتهم اليومية نحو هذه “الكوريات” المتناثرة في ضواحي المدن، لا تزال السلطات تلتزم الصمت، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة من مستجدات، حيث وفي ظل غياب حلول جذرية، يبدو أن “كوريات البادية” ستظل هذا العام الوجهة المفضلة، والملاذ الأخير لمن أراد أضحية.
عن “أخبارنا”