الوضوح

شاركها

الصناعة الصيدلانية بالمغرب.. قطاع حيوي يتجه نحو الريادة الإفريقية

تشهد الصناعة الصيدلانية في المغرب تحوّلاً نوعياً خلال السنوات الأخيرة، جعلها تبرز كأحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني، وثاني أكبر نشاط كيميائي في المملكة بعد الفوسفات. فبفضل دينامية قوية وتوسع مستمر، أصبح هذا القطاع يؤمن نحو 80% من الحاجيات الدوائية للسوق الوطنية، ويحتل المرتبة الثانية على المستوى القاري بعد جنوب المتوسط.

حسب معطيات رسمية، قفزت مبيعات القطاع بنحو 50% سنة 2023، متجاوزة سقف 21 مليار درهم، في مؤشر واضح على حيوية الاستثمار الوطني في الصناعات الصحية، وعلى قدرة هذا المجال على التموقع داخل سلاسل التوريد الإقليمية والدولية.

هذه الطفرة تخفي وراءها مسارات متعددة لفاعلين وطنيين راهنوا على استقلالية القرار الصناعي، وتوطين الإنتاج، والانفتاح على الأسواق الخارجية، خصوصا في إفريقيا والعالم العربي. إذ تحوّلت مختبرات محلية من مجرد وحدات إنتاج صغيرة إلى مجموعات تصدّر أدويتها إلى بلدان مثل ليبيا، الجزائر، السعودية، وعدد من الدول الإفريقية.

وتُعزى هذه الطفرة أيضاً إلى التطور التكنولوجي الذي يشهده القطاع، حيث دخلت بعض الوحدات الإنتاجية مرحلة التصنيع الذكي (4.0)، مع استثمارات ضخمة تهدف إلى الرفع من القدرة التنافسية ومواكبة تعميم التغطية الصحية بالمملكة.

كما سجل المغرب إنجازات نوعية في مجال تصنيع الأدوية الجنيسة، وتطوير أدوية بيولوجية ومضادة للسرطان، ما أسهم في خفض تكلفة العلاج بشكل كبير لفائدة المرضى، وساهم في تدعيم الأمن الصحي الوطني، خاصة خلال فترات الأزمات كجائحة كوفيد-19.

وبالرغم من التقدم الحاصل، ما تزال هناك دعوات إلى تعزيز الدعم العمومي لهذا القطاع، خصوصاً فيما يتعلق بتوسيع اعتماد الأدوية الجنيسة، التي لا تمثل حالياً سوى 35% من مبيعات السوق، رغم مزاياها الصحية والاقتصادية.

اليوم، لم تعد الصناعة الصيدلانية في المغرب مجرد قطاع إنتاجي، بل أضحت رافعة حقيقية للسيادة الصحية، وجزءاً من استراتيجية أوسع لتعزيز التموقع الإقليمي للمملكة في مجال الصناعات الحيوية. ومن صناعة كانت في الظل، يبرز هذا القطاع كواجهة مشرقة للطموح المغربي نحو تنمية قائمة على الابتكار والنجاعة والاستقلالية.