الوضوح/علال زوهري
يبدو جليا أنه قد أصبح صعبا جدا أن تنصلح العلاقة بين فرنسا والجزائر على الأقل خلال المدى القريب أو حتى المتوسط، فبعض النظر عن أي تحليل سياسي أو استراتيجي، الحقيقة أن الموضوع مبني أساسا على عقدة تاريخية رهيبة لدى الجزائر نظاما كانت أو حتى شعبا، فالجميع هناك لا يتوانى عن التذكير بالاستعمار الفرنسي الطويل وبالجرائم التي ارتكبتها فرنسا إبان إقامتها في الجزائر لدرجة وصفه لها بالإبادة الجماعية، والمشكلة الأكبر هنا هي أن هذه القناعة صارت مزروعة ومتذجرة في تفكير الفرد الجزائري، إذن حتى لو افترضنا أن الدولة الجزائرية قد تتناسى هذه الفكرة لترغب في فتح صفحة جديدة مع فرنسا فإنها ستجد نفسها في مواجهة مباشرة مع شعبها الذي لن يقبل، والحالة هته، أن يتسامح نظامها مع من ارتكب فيه كل هذا الإجرام الأسود، وفي المقابل، سيصعب على فرنسا فتح أبوابها أمام الجزائريين وهم يحملون هذه الصورة القاتمة لها ولتاريخها والتي تستوجب وجود حقد دفين في نفوسهم تجاهها، فخلاصة القول هنا أن المسألة لدى الطرفين أصبحت تتعلق بالأمن القومي للدولتين وليس فقط بالعلاقات الدبلوماسية الخاضعة لمنطق الصعود والهبوط أو التوتر أحيانا، وحين تصبح الأمور متعلقة بالأمن قومي فإن العلاقات تحتاج عقودا طويلة من الزمن كي لتعود كما كانت من قبل ولو حتى جزئيا.
والمتابع لأسلوب تفكير النظام الجزائري يلاحظ تماما بأنه أسلوب يعيش في الماضي لدرجة أنه يجعله هو المعيار الوحيد في تحديد مستقبله وفي تسطير علاقاته الخارجية. فالرئيس الحالي للجزائر طالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها خلال استعمارها لأرضه، كما سبق له أن وضع شرطا رئيسا على المغرب من أجل فتح باب الحوار يتجلى في تقديم الدولة المغربية لاعتذار رسمي عن ما يعتبره اعتداء على الجزائر إبان حرب الرمال بشكل خاص، وربما سننتظر، والأمر هكذا، أن يطلب من تركيا أيضا أن تعتذر لفخامته عن فترة احتلال العثمانيين لأرض الجزائر، هنا يمكن ان يضع النظام الجزائري نفسه في وضعية محرجة جدا أمام دول كثيرة قد تتفادى التعامل معه مادام نظاما حقودا لا يعرف كيف يفتح صفحات جديدة والنظر للمستقبل بعين منفتحة ليست معتقلة في سجن التاريخ، وهذا أصلا هو المنطق الذي تأسست بموجبه منظمة الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث لو كانت جميع دول العالم تفكر مثل الجزائر لكان من المستحيل لها أن تجلس على طاولة واحدة وتصوغ القوانين المشتركة والاتفاقات الملزمة بينها وهي التي حاربت بعضها حروبا طاحنة مدمرة.
فرنسا الآن أدركت أنها لا تواجه نظاما عنجهيا فحسب، بل صارت في مواجهة مع شعب بأسره تم حقن دمه بتوهم البطولات وبالكره تجاهها، بل ويمكن القول بأنه كره تجاه كل مخالف وكل منتقد للدولة الجزائرية سواء أكان هذا المخالف دولة أو شعبا، وصراحة فالواحد ربما قد يضع عذرا لهذه الحالة النفسية المريرة والمؤلمة حينما يرى بأن الدولة المعنية عاشت تحت وطأة الاحتلال لمئات السنين ثم بعد الاستقلال عاشت أزمات خانقة من الانقلابات والمؤامرات الداخلية ثم عشرية سوداء عاش خلالها المواطن الجزائري في رعب وترهيب أصبحت معه رؤية الجثث وسماع صوت الرصاص أمرا عاديا وبسيطا جدا، وعليه فمن الطبيعي جدا بل ومن الحتمي أن تصبح العقلية الجزائرية مليئة بالانتقام والخشونة وأن تصبح النفسية مغمورة بالعقد التاريخية بالمشاعر السلبية تجاه الغير وتجاه نفسه أيضا لدرجة أن لغة التهديد بالقتل صارت من الكلام الدارج هناك ولا يستدعي أبدا المتابعة القانونية أو التحقيق أصلا.
كل هذا التوهم البطولي والتفكير الهنجهي يجعل الجزائر بسهولة وببرودة دم مفرطة تعطي الأفضلية المطلقة لسيادتها الوطنية وجعلها فوق كل سيادة أخرى، فدعمها الحثيث لتقسيم المملكة المغربية قرار سيادي لا نقاش فيه، أما اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء فأمر مرفوض ولا يحترم القرارات الدولية رغم أنه يندرج ضمن سيادة الدولة الفرنسية، ورفض دخول فريق نهضة بركان للجزائر بححة حمل قميصه لخريطة المغرب قرار سيادي، أما قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم بالترخيص للقميص فهو قرار خاطئ منتهك للقانون، طبعا من حق الدولة الجزائرية أن تضع سيادتها فوق كل شيء لكن هذا الأمر يلزمها في المقابل باحترام القرارات السيادية للدول الأخرى حتى لو لم تعجبها خاصة حين تكون هذه القرارات لا تعنيها في شيء وليست متعلقة بحدودها وبشؤونها الداخلية، فلا عجب إذن ما نراه حاليا من عزلة دولية للنظام الجزائري ومن صراعات عميقة له مع دول كثيرة أولها جيرانه المباشرون.