الوضوح

شاركها

زيادة مرتقبة في رسوم “فيزا شنغن” تسائل مقاربة تنظيم الهجرة بأوروبا

يوسف يعكوبي

“خبر غير سار” قد يتأكد للمغاربة الراغبين في التقدم بطلب الحصول على تأشيرة شنغن قريباً؛ فقد يتفاجؤون بـ “زيادة في رسوم التأشيرة”. سيصبح هذا ممكناً في حال إقرار المفوضية الأوروبية رفع رسوم التأشيرة إلى 90 يورو (980 درهما) بالنسبة للبالغين، و45 يورو (490 درهماً) للأطفال.

تبعا لما تضمنه “مشروع إصلاح” نشر أخيرا على البوابة الإلكترونية لمفوضية الاتحاد الأوروبي، فإنه يتم “تدارس زيادة في الرسوم/التكاليف غير القابلة للاسترداد من أجل الحصول على التأشيرة بنسبة 12,5 في المئة خلال الأشهر المقبلة. وبمجرد الموافقة على هذا الاقتراح، سترتفع الرسوم الحالية من 80 إلى 90 يورو للبالغين، ومن 40 إلى 45 يورو للأطفال.

“وفقاً للقانون المنظّم للتأشيرة، قامت المفوضية بتقييم الحاجة إلى تعديل مبلغ رسوم التأشيرة وخلصت إلى أنه يجب زيادتها بالنسبة للبالغين وكذا للأطفال”، توضح الهيئة التنفيذية داخل التكتل الأوروبي، مبرزة أن “هذا الحساب يعتمد على معدل التضخم في الاتحاد وتطور رواتب الموظفين الوطنيين على مدى السنوات الثلاث الماضية”.

ويظل مشروع هذا التعديل “مفتوحاً من أجل التشاور وتلقي الآراء حوله” إلى غاية فاتح مارس، قصد أخذها في الاعتبار عند “استكمال المبادرة نهائيا”، يضيف المصدر ذاته، قبل أن يورد أن المبادرة “تمت مناقشتها والتداول بشأنها مع خبراء من الدول الأعضاء في منطقة شنغن منذ دجنبر الماضي”. بينما ستظل رسوم تمديد تأشيرة شنغن ثابتة عند 30 يورو.

وتابع الجهاز التنفيذي داخل الاتحاد الأوروبي بأن “المفوضية عقدت اجتماعا مع خبراء من الدول الأعضاء في 20 دجنبر 2023 لمناقشة مشروع اللائحة المتعلقة بمراجعة مبالغ رسوم تأشيرة شينغن”، كاشفا أنه خلال هذا الاجتماع، ساد اتجاه غالب نحو “تأييد الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء لإقرار مراجعة الرسوم”.

يأتي هذا في ظل استمرار “ظاهرة الوسطاء وسماسرة مواعيد الفيزا” في التمدد وإثارة استياء عدد كبير من طالبي التأشيرة المغاربة الذين سجلت طلباتهم في عام 2022 “أحد أعلى معدلات الرفض”، ليحل المغرب ضمن الدول العشر الأولى التي رُفِضت للمنحدرين منها طلبات تأشيرة شنغن.

جدير بالتذكير أن الاتحاد يتجه رسميا بموجب تعديل تبنّاه منتصف نونبر 2023 وزراء الخارجية الأوروبيون، نحو “رقمنة” مسار طلب تأشيرة فضاء شنغن الأوروبي في الأفق القريب، وسيتمكّن طالبوها من إيداع طلباتهم على “منصة إلكترونية” ستُحدث لهذا الغرض.

فضاء “شنغن” الذي يضم 23 من دول الاتحاد الـ27 (بالإضافة إلى سويسرا والنرويج وآيسلاندا وليشتنشتاين) يتلقى طلبات التأشيرة من المغاربة باعتبار بلدهم “الخامس ضمن أكثر دول العالم طلباً للحصول على تأشيرات شنغن، بعد الاتحاد الروسي وتركيا وأوكرانيا والسعودية، إلا أنه يسجّل أعلى معدّل للرّفض من بين هذه البلدان الخمسة”، وفق بيانات سابقة نشرها الموقع المختص “فيزا شينغن” مطلع 2023.

القيم الحقوقية

عادل تشيكيطو، فاعل حقوقي مهتم بشؤون الهجرة وقضاياها، قال إن هذا “القرار المقترح اعتماده هذه السنة ينتظرُه مسار طويل من أجل المصادقة عليه وتطبيقه، ومن ثمة المرور إلى تنفيذه على أرض الواقع”، مسجلا أن القرار “يؤكد نية مسؤولي الاتحاد الأوروبي تشديد المساطر على كل الراغبين في زيارة دول الاتحاد، نظرا لمجموعة عوامل مرتبطة بالوضع فيها (التضخم وارتفاع الأسعار والتكاليف…)، ولكن أيضا نظرا لمشاكل مع المهاجرين وبلدان تصديرهم”.

وأضاف تشيكيطو، في تعليق لجريدة هسبريس حول الموضوع، أن “ما تنوي المفوضية تطبيقه يؤكد أن مسؤولي التكتل الأوروبي لم تعد في اعتبارهم أبداً تلك الاختيارات المتصلة بالقيم الحقوقية التي نادوا بها في مناسبات متعددة أرادوا من خلالها تمرير رسائل وإعطاء دروس لدول جنوب المتوسط”.

“المثير للانتباه بخصوص هذه القضية وتداعياتها أن المفوضية الأوروبية اقترحت أن يتم رفع تكاليف التأشيرة على الدول التي لم تُظهر تعاوناً في إعادة مواطنيها من المقيمين بشكل غير شرعي في أراضي الاتحاد من 120 يورو إلى 135 يورو، ومن 160 يورو إلى 180 يورو”، يورد تشيكيطو، مبرزا أن “هذا لا يؤشر فقط على نية المفوضية الرفع من قيمة الرسوم غير القابلة للاسترداد، بل يعني أنها سياسة موجَّهة ضد المهاجرين من بلدان الجنوب المتوسط”.

وأدرج الفاعل الحقوقي المغربي مقترح القانون هذا “في سياق السياسات التي اتخذتها منظومة الاتحاد الأوروبي بسبب المدّ اليميني المعادي للقيم الحقوقية والمبادئ الدولية القانونية التي تنص على الحق في التنقل وحرية ممارسته، الذي نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، مبرزاً “تمدد فكرة إقصاء المهاجرين والسياح وطردهم” بين عدد من الأحزاب اليمينية في البلدان الأعضاء.

“إذا استمر الاتحاد في هذا الاتجاه، فهو ينفي كل التزاماته بهذه المواثيق الدولية والتعهدات، قبل أن يجدَ نفسه معزولًا دولياً وترفض بعض الدول من الجنوب التعاون معه بسبب نهجه سياسات معادية لحرية التنقل”، يختم تشيكيطو.

تحول ببعد تجاري

أبدى محمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، الذي يتابع ديناميات وتدفقات الهجرة بين أوروبا والمغرب (بشقيْها النظامي وغير النظامي)، “رفضه الضمني” لما تقترح المفوضية الأوروبية اعتماده في الأسابيع المقبلة من زيادة في رسوم “الفيزا” وتكاليف الحصول عليها.

وقال بن عيسى، ضمن تصريح مقتضب لجريدة هسبريس، إن “الزيادة في رسوم تأشيرة شنغن هي تحول في منظور الاتحاد الأوروبي لظاهرة تدفق المهاجرين النظاميين إلى بلدانهم من بعد إنساني إلى بعد تجاري”.

وتابع بأن هذا المقترح في حال المصادقة عليه واعتماده، “يظل وسيلة تتوخى منها دول الشمال مزيداً من استنزاف جيوب مواطني دول الجنوب”، مسجلا هذا ضمن سياق يعرف “ضُعف الخدمات والفساد الذي يستشري في هذا المجال بسبب سماسرة المواعيد وشبكات الوسطاء المتمددة، وتحوله إلى سوق سوداء تضخ ملايين الدولارات على الشبكات النشطة به”.

“فرض التأشيرة هو من حقوق أي دولة لتنظيم تدفقات المتنقلين من دول أخرى إليها”، يورد رئيس مرصد الشمال، قبل أن يستدرك بالتأكيد على وجوب “أن تكون قوانين وشروط منح التأشيرة واضحة ومفهومة للجميع وبرسوم معقولة ومنطقية ما دمنا أمام دول تدعي احترام حقوق الإنسان وترفع سَوْط مكافحة الفساد وسيادة القانون”.

وختم بن عيسى بالقول: “لكن للأسف، نرى دول الاتحاد الأوروبي تستغل ضُعف بلداننا في الدفاع عن حقوق مواطنيها، إذ يكفي أن يُشهر المغرب ورقة المعاملة بالمثل لتقف هذه الدوامة من سلسلة قرارات تنهب جيوب مواطنينا”.