الوضوح

شاركها

خالد بوخش: العنصرية و التعصب؛ بذرة و أفقا

العنصرية و التعصب؛ بذرة و أفقا

 

خالد بوخش – المغرب 

 

لا يخلو مجتمع بشري عبر التاريخ من العنصرية و التعصب؛ و لا يخلو إنسان؛ مهما كان؛ من عنصرية و عرقية؛ و تعصب لنفسه و لذويه و عشيرته و وطنه مهما ادعى العكس.

 

علينا الإعتراف بهذا بهذا أولا و نعيه جيدا؛ و من تم؛ نحاول قدر الإمكان أن لا تصبح هذه العنصرية منهجا للسلوك اليومي و أفقا للبشرية و إلا فالخراب سيكون مآل العالم. العنصرية طبيعتنا البشرية؛ و لكن جاءت الثقافة كي تحد منها لكي لا تتحول إلى عنف و دمار؛ فمن بين أهداف الثقافة أن توجه طبيعتنا البشرية عبر قنوات تدبيرية في أفق العيش المشترك و السلام.

 

إن العنصرية أنواع و متعددة بتعدد الوضعيات و المواقف و المصالح. إن ثلاث أشخاص يعرفون بعضهم البعض من نفس القبيلة و البلد؛ قد يلاحظ فيما بينهم عنصرية بدون وعي منهم؛ اثنان جالسان ينتظران مشروبا في مقهى؛ النادل هو الثالث؛ قد يتصرف أحد الزبونين بسلوك عنصري أمام رفيقه ضد النادل دون وعي منهم حميعا؛ رغم أنهم الثلاثة من نفس القبيلة و الدين و الثقافة؛ إنها عنصرية الموقع ” النادل ” أمام زبونين تربطهما علاقة ما تفرز سلوكا عنصريا بوجود نادل المقهى؛ و قد يكون هذا السلوك عاديا جدا لدى الأطراف الثلاثة؛ و لكنه سلوك فيه بذرة عنصرية. و دور الثقافة هو العمل على التقليم و النحث العقل-سلوكي عبر التفكير التفكير في الممارسة اليومية للحد من العنصرية في حدودها الدنيا أولا؛ ثم التفكير لمحاربتها في حدودها العالمية.

 

الإشكال الآن في العالم؛ هو انبعاث للتيارات الأصولية الدينية و كذلك العلمانية ” نسبة إلى العلم”؛ حيث الأولى تدعي الكمال و الحقيقة المطلقة و الأخرى تدعي الحقيقة العلمية الدقيقة و الموضوعية؛ كل منهما يدعي وصلا بالحقيقة؛ و الحقيقة لا تقر لهم بذاك. الأصولية الدينية المتطرفة تدعي الحقيقة بإسم السماء و السماء براء منها؛ و الأصولية العلمانية تدعي الحقيقة بإسم الأرض و الأرض براء منها؛ لا يغيب على وعي الناس وجود تيارات دينية تدعي امتلاك الحقيقة و تلغي الآخر المختلف بعنصرية مقيتة بإسم الحق و الخير؛ و لكن قد يستغرب الناس وجود تيارات علمانية منسوبة للعلم الدقيق تدعي الحقيقة بعنصرية لا تقل مقتا من الأولى حيث هناك من ينادي جهارا نهارا؛ بإسم العلم؛ و بإسم النظرية التطورية أن إنسان الشمال الغربي الأوروبي الأبيض أكثر وعيا بيولوجيا من الإنسان الجنوبي الأسمر؛ و عادي جدا عندهم أن يتم استغلال الأبيض للأسمر كحقيقة علمية مدعاة؛ لأن الأبيض أذكى تطوريا؛ و بزوغ التيارات اليمينية المتطرفة الآن بالغرب دليل على أن هذه الثقافة العلمية المكذوب عليها انتشرت و أصبحت تنتشر أكثر فأكثر بالغرب؛ ما ينذر بخطر عالمي سيؤذي الجميع؛ و ما يحدث الآن بفرنسا ماكرون ما هو إلا تراكم لتضارب و تناحر بين المد اليميني المتطرف “العلموي” و المد الأصولي الديني الهوياتي المضاد. و الأمر ما له إلا أن يزداد إذا تم الإستمرار في تطعيم و تعزيز هذا المعتقد ” العلمي” الذي الذي يؤمن بارتقاء الإنسان الشمالي على الإنسان الجنوبي؛ و الإستمرار كذلك في تقوية و دعم هذه الأصوليات الدينية الهوياتية المتخشبة التي تستغل فراغات الشباب الروحي و العلمي و الاجتماعي و تلعب على ” قولبتهم” من أجل مصالح ضيقة.

 

إن العنصرية بذرة تسكن كل واحد منا؛ يمكننا التعامل معها بالمحاولة و الخطأ و المحاولة؛ عبر تليينها و الكف عن عن سقيها؛ و لكن الخطر الخطر المهدد هو عندما تكون أفقا بشريا عالميا يؤسس لها عبر أفكار علمانية علموية أو دينية أصولية متطرفة؛…” إنا خلقناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا”؛ و محاول معرفة الآخر هي معرفة للذات أيضا؛ حيث أنه مستحيل معرفة الذات الفردية أو الجماعية دون العبور عبر معرفة الآخر.