الأمية السياسية هي أخطر من حرب شاملة على أمة بكاملها
البدالي صافي الدين/المغرب
لا يختلف إثنان عن مخاطر الأمية السياسية على أي بلد يعرف هذه الظاهرة. و لا يعلم كثير من الناس مخاطرها، السياسية لأنها غير ملموسة أو لها علامات يمكن ضبطها و التحكم فيها أو يمكن الحد منها أو محاربتها. فهي ليست كالأمية القرائية التي نتعرف عليها من خلال جهل للحروف المكونة للغة معينة، أو الأمية الثقافية التي سببها المدرسة المنغلقة و المتخلفة، أو الأمية الاقتصادية التي تبدو نتائجها من خلال الربح أو الخسارة.
الأمية السياسية هي الأشد وقعا على المجتمع من بين بنات جنسها، لأنها تعني الجهل بالواقع السياسي والاجتماعي، و مما قال عنها أحد الكتاب، وهو الكاتب جمال سلطان: “الأمية السياسية تتلخص في الجهل الشديد بالشأن العام والقوانين الحاكمة لإدارة الدولة وصناعة القرار وأدوات إدارة الصراع السياسي،” إنها الجهل المركب التي يجعل المجتمع يعيش خارج السياق العام للعالم، الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي.
تكون الأمية السياسية illiteracy” political” أكثر ظهورا في المجتمعات التي تعيش الاستبداد والتهميش و الفوارق الاجتماعية و قمع الحريات والإعلام المضلل الذي يجعل المواطن بعيدا عما تعرفه البلاد من تفاعلات سياسية وتحولات على مستوى المشاركة في الشأن العام المحلي و الوطني. إنها الآفة السياسية التي تجعل من المواطن عنصرا معزولا عن دوائر صناعة القرار السياسي و مسلوب الإرادة التشاركية السياسية الحقيقية بكل مستوياتها.
حينما تعم الأمية السياسية وسط المجتمع يكون النظام السياسي في وضع أكثر استبدادا. و يسعى الى ترسيخها حتى تعود سلوكا يوميا و عملة رائجة في جميع الحقول السياسية و الثقافية و الاجتماعية و تصبح الضمانة الحقيقية لاستمرار الاستبداد وطغيان الفساد والمفسدين.
حينما تسود الأمية السياسية يتعطل وعي الشعب و تضعف قدرته على التمييز بين الحق و الواجب و بين الطيب والخبيث ،كما لم يعد واعيا بدوره في المشاركة السياسية و يتحول الى مستهلك لما يروج من أخبار زائفة و من وعود كاذبة. ومن الخطورة مما كان هو حينما يكون الأميون السياسيون هم اللون البارز في جسم الأمة وهم الذين يتبوأون المناصب العليا في البلاد و يرسمون خارطة المؤسسات الدستورية، و منهم تتشكل الأغلبية و المعارضة في نفس الوقت، فهؤلاء لا يفعلون إلا ما يؤمرون خدمة للطبقة السائدة و لصوص المال العام والثروات الوطنية . و في هذا السياق تضيع البلاد من خلال مشاريع يطبعها هاجس المصلحة الخاصة و لا تخدم إلا أصحاب المال و الرأسمال الأجنبي و يضيع الشعب لأنه صار غريق الأمية السياسية.
وإذا ما اعتبرنا بأن السياسة هي” فن الممكن” أو أنها ” فقه تطوير الأمم” فإن الأمية السياسية لا تساعد على فهم واقع المجتمع ومتطلباته و ميولاته و ما تعرفه الأمم من تحول مستمر. إن الأمية السياسية لا تساعد على امتلاك أدوات التحليل و تفسير الأشياء وفق منظور علمي . و إن بلادنا كسائر البلدان التي تنعدم فيها الديمقراطية الحقيقية تتربع على أرجائها آفة الأمية السياسية التي تصيب حتى الذين يتحملون المسؤولية ،حيث تجدهم يتعاملون مع الوضع بعشوائية في التخطيط و الارتجالية في البرمجة و في البناء و التعمير .و يجهلون فن التدبير و التسيير و العلوم الحديثة التي تساعد على خدمة التنمية المستدامة وعلى وضع قضاء واعد و قوي. فهم لا يملكون الاستعداد الفكري لقراءة الواقع الاجتماعي و السياسي و العلاقة الجدلية بينهما، و لا يستطيعون التعاطي الإيجابي مع الواقع السياسي الداخلي والخارجي، لأنهم يجهلون الفرق بين التدبير المعقلن و سلطة التدبير المزعوم.
وبالتالي لا يمكنهم إدراك البديهيات السياسية المتعلقة بحقوق المجتمع. لأنهم لا يعتبرون الحقائق الاجتماعية والتاريخية والحقائق السياسية وتطورها . و يظلون رهائن الخطابات الديماغوجية و متأثرين بمسالك البراغماتية السياسية المدمرة لبنية التطور الفكري و للعقل وبالتالي يكون الشعب ضحية مظاهر الأمية السياسية التي تساهم في تنامي مظاهر الفقر والبؤس الاجتماعي ومظاهر الفساد المالي والأخلاقي والإداري.