هل مازال بإمكاننا التخطيط بدون استشراف المستقبل؟
بقلم : محمد أمين سامي
خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير.
ان السؤال المطروح هو سؤال إستنكار ي والجواب فيه واضح لامحالة، فطبيعة السؤال بهل تقتضي الإجابة عليه إما بنعم أم لا لا غير، ولكننا تعمدنا طرح العنوان على شكل سؤال لنقول بدون شك ويقين حتمي أننا اليوم بحاجة ماسة للاستشراف والدراسات الاستشرافية والاستراتيجية لمواجهة التقلبات والأزمات العالمية الجديدة. ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال وجب توضيح مجموعة من الأسئلة مرتبطة بالاستشراف والتخطيط وأهمها :
١. ما معنى استشراف المستقبل والمقصود بالاستشراف؟
٢. ماهي أنواع المستقبل وكيف يمكننا الانخراط فيه؟
٣. ما هو الفرق بين التخطيط والاستشراف؟
٤. وأخيرا ماهي الطرق والأدوات المعتمدة في استشراف المستقبل؟
فالاستشراف هو غزو لفضاء المستقبل، و معنى آخر هو تنوير الفعل في القرار الحاضر في اتجاه المستقبل من خلال تحليل الإرادات و الاعلين وموازين القوى و محركات التغيير ومشاريع الفاعلين واستراتيجياتهم. فمدارس الاستشراف نوعان فالمدرسة الأولى ترى ان المستقبل محسوم ولاداعي لاستشرافه، فحين ان المدرسة الثانية ترى ان المستقبل عبارة عن فوضى ووجب إيجاد الفرص وادراك المخاطر والازمات في ظل هذا المستقبل الفوضوي.
إن المستقبل لا نصنعه من الماضي والحاضر، بل يصنع من وعينا وصورتنا عن المستقبل الذي نريد الولوج إليه (المستقبل المرغوب). والمستقبل مستقبلات وليس هناك مستقبل واحد. فالاستشراف يمكننا من الملاحظة ورصد العلامات الضعيفة والمتقدمة وبذور التغيير ومراقبة حركية النسق المجتمعي بمختلف أبعاده وتجلياته ومراقبة التطورات الحاصلة في العالم في مختلف المجالات، فهذا الأخير يختلف تماما عن التخطيط الاستراتيجي ولكي نوضح الفرق نطرح المثال التالي بين خيول السباق وخيول العربات، فالملاحظ أن خيول السباق لا تضع غطاء الرأس في حين أن خيول العربات تضع غطاء الرأس وهنا الفرق لماذا؟ لأن خيول السباق يجب أن تكون أمامها الرؤية واضحة بشكل كبير كي تستغل اي فرصة تراها مناسبة من أجل تحقيق الفوز وبالتالي فهي لاتحتاج إلى غطاء الرأس لأن هذا سيؤثر عليها ويضيع عليها الفرص، في حين أن خيول العربات مهمتها الوظيفية هي التركيز بشكل كبير على الهدف من أجل تحقيقه وإنجازه وبالتالي اذا تم نزع غطاء الرأس عنها تبعثرت العملية وفشلت في تحقيق الهدف المنوط بها وهذا هو الفرق بين التخطيط الاستراتيجي والاستشراف الاستراتيجي. فالتخطيط الاستراتيجي هو تنهيج الأفعال في الزمن وفق أولويات لتحقيق الرؤية في الزمن البعيد. فعملية التخطيط الاستراتيجي تقتضي التخطيط وفق امكانات الفعل في الحاضر واحتمالات الفعل في المستقبل.
فأكبر عيب في التخطيط الاستراتيجي إنه يتعامل مع المستقبل المرغوب فقط دون المستقبلات الأخرى. كما أن مدة الزمنية بين التخطيط الاستراتيجي والاستشراف الاستراتيجي تختلف كثيرا فالدراسات الاستشرافية مدتها 10 سنوات فأكثر، أما الخطة الاستراتيجية فمدتها على الأكثر 5 سنوات. لهذا فنحن اليوم بحاجة إلى الدراسات الاستشرافية أكثر من أي وقت مضى.
ان المستقبل ليس نوعا واحدا بل مستقبلات متعددة ومتنوعة فهناك :
١. المستقبل الرسمي الذي ينبني على تحليل البيانات التاريخية والمعلومات الماضية و الحاضرة واسقاطها على المستقبل الجديد الذي يريد الولوج إليه بحكم ان الظواهر والوقائع التاريخية تتكرر ولكن بتمظهرات مختلفة.
٢. ثم هناك المستقبل المرغوب فيه الذي نسعى الولوج إليه والتخطيط له وفق رؤية معينة وما نطمح الوصول إليه بعد القيام بتحليل البيانات في الماضي والحاضر ومراقبة حركية النسق المجتمعي.
٣. ثم أخيرا المستقبل الموعود وهذا له ارتباط بالجانب الديني والقيمي بشكل كبير خاصة أن هذا الأخير يعلمه الله وحده سبحانه وهو الذي يحدد توقيته بامتياز ولا قدرة للبشر على استشرافه.
وبالتالي فهناك المستقبل المحتمل والمستقبل المفضل و… فالمستقبل إذن مستقبلات ولكل مستقبل خصائصه ومكوناته كما أن أشكال العلاقة مع المستقبل مختلفة فهناك 5 أنواع علاقة مع المستقبل وهي :
١. مستقبل النعامة : حيث يوجد أشخاص يعيشون على أنقاض الماضي ويتفكرون الماضي وزمنهم الجميل.
٢. مستقبل ردود الفعل : فهولاء اتباع لا يمكن أن يكونوا رواد أو متحدين.
٣. مستقبل الوعي : فهؤلاء يسعون دائما إلى تأمين نفسهم من المخاطر والازمات.
٤. ثم أخيرا صناع المستقبل : هؤلاء هم الذين يقومون بصنع شروط اللعبة حسب نظرية الألعاب (صناعة قواعد اللعبة وتغيير قواعد اللعبة من طرف المتحدين).
ان المستقبل للذي يفكر خارج الصندوق ويفكر بعمق وبتحليل عميق موظفا المعطيات التاريخية وبيانات الحاضر ومراقبا حركية النسق المجتمعي لاستشراف المستقبل دون ذلك يبقى خارج اللعبة ولايستطيع ان يكون من صناع المستقبل.
المراجع :
١. كتاب الانفجار العظيم للدكتور إدريس أوهلال.
٢. كتاب فقه الاستراتيجية للدكتور إدريس أوهلال.