فقرات من الذاكرة و التاريخ
على هامش حرب اكتوبر 1973
ذ.مبارك المتوكل/المغرب
كنت غائبا، بل مغيبا عندما قامت حرب أكتوبر 1973، لذلك فإنني لم استطع أن أتتبع أطوار تلك الحرب في حينها، وحتى عندما وصلتني بعض الكتابات عنها وأنا رهن الاعتقال، فإن ادارة السجن لم تسمح إلا بكتاب واحد يتناول الموضوع بأسلوب إخباري عام لا يرضي فضول من غاب عن الحدث، وخاصة إذا كان من أمثال رفاق المحنة الراغبين في الاطلاع على أحداث تشفي غليل متشوق إلى أخبار انتصارات في مرحلة الهزائم والانكسارات، مما يحيي روح الأمل لدى مناضلين قضوا أزيد من سنة متنقلين من ظلمة إلى عتمة أشد، ولم يتنفسوا الصعداء إلا حين لم يعد يفصلهم عن الأحبة إلا قضبان السجن وبواباته.
لقد أصبحوا بشرا يرون وجوها جديدة وينتظرون الزيارات ليروا الأحبة ويسمعوا أخبار الغائبين منهم، أو الذين لا تسمح لهم إدارة السجن بالزيارة. كانت احوالنا الصحية تقتضي نقلنا إلى المستشفى وكانت فرصة اللقاء المباشر مع الأحبة والاقرباء، لكن عناصر الشرطة التي كانت مكلفة بالحراسة كانت أكثر تشددا من إدارة السجن، إذ كانت تشم رائحة الممنوع في كل ما يمكن أن يصل المعتقل من طعام أو شراب، فما بالك اذا تعلق الأمر بكتاب أو جريدة .
انتهت مرحلة الاعتقال وتعددت المشاغل، منها شروط الصحة ومشاكل الأسرة وتأخر إعادة الإدماج في الوظيفة إلى جانب مشاكل التنظيم الحزبي، حيت بدأت تظهر تصريحات وسلوكات جعلت العديد منا يتساءل هل مواقف القيادة هذه مجرد مناورات أو اختيارات وبداية انحراف عن خط النضال الديمقراطي الذي من أجله قدمنا قافلة الشهداء وقضى رفاقنا قرونا من السجون والمنافي والحرمان من العيش بين الأهل والأولاد.
ظهرت إشارات ومورست سلوكات تم التستر عليها باسم التكتيك والمناورة. وتم اغتيال الشهيد عمر بنجلون وتنفس بعضهم الصعداء إذ لم يعودوا يتورعون في الكشف عن اختياراتهم الجديدة. وكانت لقاءات مشبوهة بين قياديين وأطراف من الضفة الأخرى، وبدأ عدد من المثقفين الذين كنا نعتبرهم عضويين وحملة للفكر الثوري يتسابقون على المواقع، وكان حدث 8 ماي 1983فاصلا وكاشفا لما كان خافيا عن الأعين.
عدنا إلى الديار مجددا لندخل صراعات آخرى من أجل المواقع وتوجيه دفة النضال في المنظمات الجماهيرية. وإذا كنا قد وجدنا في المنظمة النقابية مناضلين وقياديين يحملون هم الطبقة العاملة ويقدرون ويعترفون بموقع ومكانة رفاقهم في النضال و استطعنا أن نتحمل المسؤولية إلى جانب المخلصين والمرتبطين عضويا بالطبقة العاملة، إلا أننا لم نوفق في المنظمات الجماهيرية الأخرى وخاصة منها الجمعية المغربية للدفاع عن الشعب الفلسطيني التي سطا عليها أدعياء التقدمية ومن حسبوا على الحركة الوطنية. وتمر الأيام لنرى أن لا علاقة لهم لا بالحق الفلسطيني ولا بغيره من الحقوق .
من الذين كانوا بالأمس ينافسون ويتنافسون على المواقع في الجمعية المغربية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، فإنهم يتسابقون اليوم على تعيين ممثليهم فيما سموه بلجنة الصداقة البرلمانية المغربية الإسرائلية، ويوغلون في التطبيع فينتصبون لتؤخذ لهم الصور إلى جانب أسوأ رئيس لبرلمان، أحط وأسوأ مرحلة عرفها الصراع الفلسطيني ضد نظام التمييز العنصري في فلسطين المحتلة.
الأمر لم يقف عند هذا الحد فقط، بل تطوع بعضهم ليقترح على البرلمان مناقشة وإصدار قانون يمنح الجنسية المغربية لأبناء وحفدة أولائك الذين كانوا يوما مغاربة قبل أن يتنكروا للوطن والمواطنين، ويساهموا بل يقودوا فيالق تصفية الشعب الفلسطيني.
لقد طبعت الدولة المغربية مع العدو الصهيوني في العديد من المجالات .. في الاقتصاد والسياسة والثقافة وتسعى إلى خلق أجيال من المطبعين عن طريق إعادة النظر في مختلف البرامج الدراسية بما فيها التاريخ وحتى الدين. إن هذا السلوك يفرض على الذين يدعون التقدمية أوالوطنية أو التدين أن يقفوا في وجه هذا المد أوعلى الأقل أن لا ينخرطوا فيه احتراما للشعب المغربي ولدماء أبنائه الذين استشهدوا دفاعا عن فلسطين وحق أهلها.
العدو ماض في طريقه، فحتى عندما قبل الجيش المغربي المشاركة في مناورات الأسد الإفريقي إلى جانب الجيشين الأمريكي والاسرائيلي، فقد اختار الصهاينة لهذه المناورات لواء جولاني، وفي هذا الاختيار إساءة لجنودنا الذين ارتقوا شهداء في معركة الجولان، حيت اختلط الدم المغربي بالدم السوري والدم الفلسطيني.
إن العدو الصهيوني لم يكتف بالتطبيع مع النظام المغربي بل أصبح يسعى إلى محو كل أثر يمكن أن يذكر المغاربة بأخوتهم مع الشعب الفلسطيني، لذلك تراهم وهم يسعون لاحتلال الأقصى لم يختاروا للهجوم على المرابطين به إلا باب المغاربة، في اتنتظار أن يدمروه كما دمروا حي المغاربة في القدس. لذلك واجب علينا أن نذكر بالشعار الذي بحت به حناجرنا دائما : ’’فلسطين أمانة والتطبيع خيانة’’