الوضوح

شاركها

أبو الرشد:رشديات يا أهل الوقت:   في إهتجاء القهر و مناجاة القبر 

رشديات يا أهل الوقت:  

في إهتجاء القهر و مناجاة القبر    

 

 

أبو الرشد

 

 

 

و إنك لو لاقيتني بعد ما ترى

و هل يلقين من غيبته المقابر

و خفض جأشي ان إبن كل حرة

إلى حيث صرت لا محالة صائر

 

تأبط شراً

 

 

إستيقظ أبو رشد من نعيم الدنيا المخلوع، فتح عينيه متضورا من الجوع، إستفاق المشتاق إلى ترياق يزيل عنه مشاق كل ما لا يطاق، صحا في التيه و كأنه يتيم الصعاليك الشبيه، فوجد  في أول الأمر أن كوكبة الحناء و التمر التي كانت تحلق حوله البارحة، في غيام المنام، ما زالت لمكانها غير مبارحة، عند يقظة القيام، وكأنهم يتحينون به سواءا خلال سبات عميق، أو  فاتحا عينيه و أيقظ من مستفيق؛ فنحنح المحوم عليه و إبتلع نزرا من جفاف الريق، و عما يكنه لهذا التطويق و التدقيق الوثيق تكتم، و بتكلف للنطق فخم، ثم قائلا تكلم: عليكم السلام، مرحبا في القحط يا كرام، الخلاء لي مكان خاص، و ما هو لكم إلا مكان عام، فحللتم أهلا، و نزلتم سهلا، البيت بيتكم، حيث لا بيت لي، مرحبا بكم ثانية في قفاري، منذ إرتضيت لي البراري بيتي الإستعاري اضحيت قادرا  على إستضافة ما لا حصر له من الزوار، بشرط أن يحملوا معهم مؤونتهم، فالفقر المدقع عاري، و بالكاد أحمل أوزاري، بالكاد أكسب قوت خلاء  داري.

 

و بعد حركات غمز بينهم، و أخرى من همز و لمز قال ناطق حال منهم في إستسرار: جزيت خيرا لحفاوة الضيافة في ربعك الخالي، فمن سخاء حاتم تجنب كل سخافة، و إستقبال الزوار في دار القفار بلطافة‘ و لو حضروا بكثافة‘ و مثل الطائي أنت  تمتن علينا باليابسة سريرا في الصحاري، و تتفضل علينا بغطاء ما هو إلا  الذراري، فهذا من الجود، و عدم الاعتراف به منا جحود.

 

إنتبه أبو رشد لما في الكلمات من عربيد مزاح  مهين، و ما تحمله لواقعه الراهن من نقد دفين، فقال: مالي اراكم اليوم فرحين مرحين، و بدعابة خلابة، بداء الحرباء منتابة‘ تغرزون في اللحم السكين، ثم تتبخترون  في هزل و إستكبار، و كأنكم وا فرحتاه أسياد أنفسكم، كما لو أنكم صفوة الأحرار، عنذما ما زلنا وا حسرتاه رهائن، تحت نير الإستعمار؛ مالي أراكم تتمايلون في زهو دائخ متشامخ، و كأن ذاك المتسلطن الخطاف، قمة إنحراف في الإنعقاف‘ ذاك الرعديد  مولاهم عبد الحفيظ‘ الذي إنكفأ منقلبا للماسونية في آخر المطاف، ذاك الشرير الملتحي في الشيطنة، قرد الماندريل الرسمي في السلطنة، كانه لم يسقط أسفل سافلينن، كأنه لم يبع في مطلع القرن العشرين أرضكم و عرضكم للهيمنة، و تقاضى ثمنها بالفرنك الفرنسي، و ذهب للتنعم و التبديد، بجوار برج إيفل، ناطحة سحاب من حديد؛ مالي اراكم رغم هذا تتميحون في ترنح و تبجح وقح، و كأن نشيد هذه المستوطنة لم يلحنه عسكري إستعماري، إسمه: ليون مورغان؛ فعلام تنتفخون بالهواء، و تتباهون بهراء‘ في زهو و لهو، في هرج و مرج، كديك الإفرنج، يزق في خيلاء، حتى لو كان منغمس الساقين في الخراء؛ دعوا عنكم تطاوس الآجام، و قولوا لي يا طابور الزحام، يا مقوضي مضجعي في كل آن، هل ساكن الهوجاء هذا أمامكم حي ام ميت، أم يا هل ترى في غيبوبة، قبل الغياب التام، في الغيبة الاخيرة التي تسبق الانعدام؛ فكيف يعقل أن أراكم في  المنام، و كذلك في هلع القيام ،  و كأنكم علي خيال ظل لتنمر النظام.

 

 

قالوا: هدئ من روعك في سواء البعد، ياأبا رشد، أيها المهلوس المهووس،  فحتى و لو انك ترى نفسك صاحيا فما زلت ضاحيا، تتخبط في أضغاث الأحلام، إنك فعلا ترانا، و لكنك نعسان.

 

و هب المرتاب للجواب، في تلهف مشتاق تواق للحديث المستميت، فإستبقه نعيق بوم مقيت في بطنه مرات،  و دار رأسه دورات، فهمس القنوع في الدوخة من سطوة الجوع: قسى علي إقتصاد الحاجة، فتقهقر بالقسر أمري، فما عاد ينفعني صبري، و من قهر المجاعة صرت أهذي  وحدي، فهل مازال بحوزتكم نزر من التمر، فقالوا: بشرط أن تجيبنا على بعض ما لا ندري.

 

و في عبوس إبتسام، و كأن محياه عرس ذئب في الارتسام،كما الذي يجمع في طلعته بين طلوع الشمس و الامطار، رد أبو رشد متسائلا بإصرار: أليس هذا إرتكازا على الإبتزاز، قالوا: بلى، أجل، و ما بيدك ما تفعل، ما لنا حيلة و لا وسيلة لإكراهك، ذون هذا الإرغام، فأنت الآن بين أيدينا، كاليتيم في مأدبة اللئام؛  فهجس الجوعان: في بادئ الامر هاتوا لي بالتمر؛ فناولوه إياه، فصار في إسراع الجياع يرمي بخفة منه العظم، و يلتهم بشراهة اللحم، حتى أذا أشفى بعض غليله من الإسراع في الإبتلاع إختنق  صوته ببحة، ثم تبعتها أكثر من كحة، من شر الإفراط في الحلاوة،  و النتش بضراوة، و ادمعت عيناه فهمهم، و ما إستطاع أن يتكلم، فناولوه ماءا، و ضربوه على ظهره مرات، ثم بالغوا في الضربات، حتى إذا إسنقام له الكلام قال: كفى، ثم أضاف: ألا ترون أنكم تحاكون مهنة البوليس، وتقلدون بعض أحكام محاكم النفتيش، بقهري، وقبضي من قفاي، و خبطي على ظهري، فقالوا: ما علينا، لا تكن حتى معنا محاربا‘ دع عنك العدوانية و ما إليها جانبا، و حدثنا، بالنبذ عليك، يا ابا رشد، أيها المهجور، في هذا الربع عديم الجذور، رايناك منذ لحظة و كأنك تنتحب، و سمعنا منك ما فهمنا منه أنك تناجي القبور.

 

رد الوقور: بطول أعمار أمهاتكم دعوا عني هذا الكابوس،  المؤرق للنفوس، الداعي للعبوس، الجالب للهموم، النافث للسمووم، أفلا تتعبون من ملهاة الثرثرة، أفلا تسأمون من المغالاة في الشوسرة‘، دعوني في سكوني، و لا تكونوا على المقهور  صقور.

 

فقالوا: أجبنا أو أعد لنا ما إرتويت به من عدب المياه،  و ما إبتلعت من حلو التمور.

 

و مضطر المجبر، ملزم المرغم بحسرة تنهد، و خاطره مكسور، وبجزم و حزم شدد: وكيف لا أناجي القبور، و قد هربنا من نذالة وحوش العاصفة‘ و من سفالة تلك الأزمنة الزائفىة‘ و تشردنا في المنافى و نحن جياع، و شتتنا مسارات الضياع؛ ثم عاد الأحبة بعدها وحدهم من التيه، و كانهم أخيرا يطوون النبذ الكريه، و حنوا رغم الإرتياب غند الإياب، حنوا عند الرجوع و العيون مليئة بالدموع، حنوا في وطن الأنذال إلى معانقة الربيع، فما حضنوا عند العودة إلا الصقيع؛ ثم أقبروا، في عزلة طمروا ، واحدا واحدا،  و ما كان لي حينها حتى دفنهم؛ و لم أرهم عمرا كاملا،  و لا ادركت لهم عناقا شاملا، فعشت عيشا قاحلا، و عايشت واقعا سافلا، فصرت انتحب، و لا من مجيب،  و اناجي أي قبر غريب، و كأنه لهم، و أضمه لصدري، و كأنه لي حبيب.

 

كما صرت أعانق اي لحد مثالي في خيالي‘ لأي شهيد فقيد، تحت التعذيب قضى نحبه في السراديب، في واضحة النهار، أو في دامس الليل، عندما ذهبت كلاب الوقت بالجثة إلى هوة مجهولة للإقبار؛ ومنهم من نحر في معتقل السر؛ و منهم من بعد إجتثاث الحياة منه رمي جثمانه على شاطئ البحر؛ و منهم من بعد سحق، و بعد محق النبضات الأخيرة في قلبه بصق على بذنه القتيل؛ و منهم من إعداما بالرصاص أزاحوا المهجة عنهم، يوم أبخس عيد اضحى رذيل، و كأنهم مجرد خرفان لإفراح الحاكم بأمره السلطان، لإشفاء إنفصامية الغليل؛ بهذا المنوال السوداوي‘ القاتم الظالم من هذا العالم أدانوهم بمأساوية الرحيل.

 

كيف لا تنوح على الثوار فينا حتى الجروح، و نحن ننحر من طرف كبار الأشرار، أو ينتحر الكادح الفقير، من بعض عموم الجماهير من الاخيار؛ و منهم من فني إحتراقا؛ و من منهم هلك مزاقا، داخل شاحنة للنفايات، و كانه كالبخيس من الحشرات، كالخسيس من الأزبال، فكيف تسلب من إبن حرة  عزة الرجال.

 

و حشرج من الجماعة مسن،  للحزن مكن، فقال مواسيا: ومادا بيدك ما  تفعل، أيها الشيخ المهلهل، و أنت المرير، و في هذا الخلاء أسير، مادا بقى في جعبتك و أنت المهجر، و أنت المرحل،  مادا تبقى لك غير الأنين، و تجرع الحنظل؛ و لكن ما علينا، بالظلم الجائر عليك، بالزمن المتمخزن عن بعد من حواليك، حتى جاوز الحدود، قل لنا و أنت الودود، المدمن على الشرود،  المثابر على سبر اغوار الأشرار، من قردة سائدة و حاقدة، في مشارق و مغارب عذاب الأعراب‘ من إمارة شارقة حتى مملكة غاربة، ما الفرق بين سلطان الرئيس و ملك السلطان.

 

وبعد السماع أجج قاطن الهوجاء الدماغ،  و داعب النخاع،  و فكر بإمعان، واضعا سبابة ذون الإبهام على الأيمن من الصدغين، متقمصا شارة تبرج المفكرين، في تامل متين؛ ثم ثانية محص، و بصبص، حتى خلص إلى القول: هذا سؤال ظافر، و إلى حيث وصل ذهني، و يا ليته ما كان بالقاصر، أقول لكم: كما هي الامور عندنا الآن، كل إناء بما فيه ينضح، في تسلط أنظمة الترويع، من دجلة حتى أم الربيع، بئيس الاول و الثاني، حتى امسى كلاهما يورثان،  كلاهما مدى الحياة يتجبران، و لكل شعوبنا تنتكس الأماني.

 

وهل نزيهة عندنا الإنتخابات، يا مجهض التمنيات، ففخم القول ثم جزم: هيهات هيهات، الإقتراع عندنا خداع، تزور الأصوات، و يصوت الأموات، فصرت في هوس لعين أناجي حتى بعض قبور المصوتين، المدفونة في الفلا؛ بلى، و أوقد بجوارها كانونا لنار الجحيم، و غيظا من فيض،كي أطهي في تشردي قوتا، أسد به رمق اليتيم، الذي يقطنني،  و هو في شيخوختي دائم و مستكين، و أتدفأ بالشعلة بعدها من زمهرير الدنيا، و أبيت قرب المطمورين مرددا: إن الهزيمة تولد ينيمة، و يبدو للنصر أكثر من ألف أب؛ و إذا إشتد بي الأسى على عظام قاطنيها أنذب وجنتي، و أتمرغ في الرماد، و ألعن الفساد، و أنوح مصيرهم، و تحقيرهم في الحياة، و أزمجر: كيف يصوت قواد الأسياد بإسمهم في الممات؛   قتلوهم إذلالا و تجويعا، قمعا و ترويعا، وها هم تصويتا مقيتا يعيدون قتل الرفات؛ فكيف لا أنعى و أناجي القبور، و كيف لا أتبول على راهن الأمور، و على كل ما عصف بعيشتنا، و على كل سافل ما قاسينا من شر الشرور؛ كيف لا أناجي القبور، و قد قررت أنصاف الرجال، من أفاعي الإحتيال، دجالو السراي، مهندسو أفيون مسخ الإنتخابات، أن لا يكون لي صوت، أو فائدة‘ إلا و أنا جثة هامذة؛ لم يسبق لي قط  الإنتخاب، و لا حق لي فيه ، لا في بلد المولد، لأنني ما عشت فيه، و لا في أمصار المنبذ، لأنني ما تقمصت جنسياتها، حائدا عن أصلي و فصلي؛ و انا الطريد الشريد أرادوا لي أن لا أصوت مدى الحياة، إلا إذا صوتوا بي عند الممات،  عندما ينتهي أمري، و أصير جثة أسيرة القبر؛ أمست حضائر الخنازير الدائمة، المتنفدة من السلطات  القاعدة و لقائمة تقبر الأحياء، و كمحركي الدمى توظف الموتى، كما تشاء؛ تشرب النخبة الأنخاب يوم الإنتخاب،  كي يطول عمر حكم الذئاب، يقرعون يوم الإقتراع كؤؤس الشراب، ما عدا شرذمة من العصابة، بالتمسلم  منتابة، فهؤلاء يقرعون و ينتشون بالشاي المثمل بالمسك، و الطيب العجيب، كشيبة الأبسنت المخمرة، و المسكرة تسكيرا و إستهبالاحلالا؛  اقسم بحياة أمي لقد قطع الإجتهاد عندهم الاشواط، فما بارحت لحاهم معاداة ما حرموا من سكب المسكرات، و لكنها قالت: آمين، و سالمت منهجة زور  تلفيقات الإنتخابات، بشرط أن يهبوا لهم حصة الحصات، فهذا بطبيعة الحال حلال، و ليس بالوبال.

 

يستميث عندنا الطاغية السليط، يجور في إستملاك الأعناق، بينما يحبوا على أردافه، و يلين طريا ناعما إنذلالا لأسياده، و لأجانب الابناك؛ على عهد مولاهم الطاغية العربي،  الغطريس السائد بالحديد و النار، يصوت الأموات، ما عدا في شبه جزيرة أعرابية‘ في نطاق نظام دائري، تطوف فيه كل الأشياء حول عائلة ككعبة، و لا يحيد اي شيئ ابدا عن ما هو عشائري؛ فعلى عهد تسلط العشيرة الحقيرة ذات التفرعن المجنون، في نظام آبد القرون، لا إصطناع لمسخرة الإنتخاب، و لا هم يحزنون.

 

أصرخ فيكم، يا جماعة، يا من حقوقكم مشاعة، أصيح، أجلجل فيكم بصوت مرير: إن التصويت عندنا هي الريشة التي قصمت ظهر البعير؛ من بحر الظلمات الاخضر، المكنى بالأطلسي، حتى البحر الأسفل، أو المر كما سمته آشور، الملثم اليوم بإسم خليج‘ صهريج للذهب القاتم، جزأه الإستعمار البارحة لدوام المظالم‘ و أقيم على سلب المغانم، مرورا باليم الأحمر، و الأبيض متوسط بين تمشرق و تمغرب تغربنا؛ مستنفدة قواي أصيح أمامكم: مقيت عندنا هو التصويت ، و يديره تعفن جبروت الطاغوت بشكل خبيث، و تشيد الآلهة بتصويت مستعمراتها السابقة و اللاحقة، بمنوال بغيض، تنوه به الآلهة: أوروبا، بنت “أجينور”، ذات “الوجه العريض”‘ و بعدها يمجد هذا التصويت من أرباب العالم الغاشم: مغشر الظلام المتجرثم، من نازيي آل سام، طغمة البيت الأبيض، قصر قهر عند التشييد، بني خزيا يأيادي العبيد.

 

و جف حلق الشريد، من شر الإغراق في الثرثرة و الترديد، و أراد أن يطفئ الظمأ الشديد، فإرتشف متنعما  حالما جرعات من عدب قربة الماء، و كانه يشفي الغليل بمصات سلسبيل من لذيذ النبيذ؛ و إغتنم أحدهم من الكوكبة الفرصة السانحة، عند صمت الشريد، و كان المستفيد من المساءلة في بلاد سلطة البلطجية وليد، فقال: الإقتراع عندنا من قبيل الجائحة الفاضحة، ذهبت مرة هناك للتصويت، فقالوا: في لوائحنا أنت ميت، إنك عندنا الآن من رهط العفريت؛ آه، يعتبرونني ميتا و أنا حي، و لو كنت ميتا فعلا لكان لهذا العفريت حق النصويت.

 

و علق آخر وليد بلد زمرة شاباكون   Ça va cogner  أي من موضع تموطن أزلام النظام  من  “متشمكريي” المسخ من “الشباب الملكي”‘ و قال: منذ زوال  الإحتلال عنا شكليا، و بقائه فعليا، على الدوام صوت عندنا الغارقون في آبد المنام، بإستمرار إقترع الغائبون عن الدنيا، حتى و لو أنهم مردومون تحت الركام.

و قال آخر وليد بلد النظام المستدام، للطغم المتتالية من الأوغاد العسكرية: في المغرب الأوسط تشارك جثث الأمواب حتى في الإشراف على طاولات الإنتخابات.

 

و أضاف آخر مغبون‘ وليد بلد منشأ إبن خلدون، و بلد المجرمين من ميليشيا زين العابدين: عندنا في المغرب الأذنى ينهض الموارون تحت التراب خصيصا ليوم الإنتخاب.

 

و قال حوام من الشام‘ إبن بلاد الشبيحة: ما الإنتخابات إنتخابات لدينا لو لم يصوت فيها الأموات.

 

و إختصر أحدهم كل هذا الحضيض البغيض: و يقترع المشيعون تحت التراب في  نظام البلاطجة، المسخرين في وطن بلقيس؛ و أيضا في خرطوم الملتقى بين الأزرق و الأبيض من النيل الأصيل، بلد تسلط عصابات الرباطة، و يرتع الطيش لديهم من بطش الجيش، و قطيع الدعم السريع؛ و في نظام “إنكشارية” الزعران، من معان حتى “البجر الميت”، مرورا بعمان؛ من بيروت حتى نواكشوط، و من الرباط حتى حضرموت يخلع عن الأموات الكفن، أو ينزعون من التابوت، كي يذهبوا بهم من مقابر “الرعاع” إلى صناديق الإقتراع.

 

و إنتهت من السرد جماعة البيداء، و إستعربت لعدم سماع أي رد من شيخ الهوجاء، و عندما إنتبهوا إليه رأوه غارقا مرة أخرى في احلام سابع المنام، فإنسحب طابور الزحام الى الخفاء.