الوضوح

شاركها

عبد المولى المروري: بوعشرين وجائزة نجيبة الحمروني.. التأكيد !!

بوعشرين وجائزة نجيبة الحمروني.. التأكيد !!

 

 

عبد المولى المروري – المغرب

 

ككل مرة، أحاول جاهدا أن أبتعد ما أمكن عن الأضواء الكاشفة، وألتزم الصمت في ملف توفيق بوعشرين على أمل أن يجد ملفه وكل ملفات الصحافيين المعتقلين والمدونين وشباب حراك الريف حلا سريعا وهادئا بعيدا عن السجالات الفارغة والتوترات المائعة التي تثيرها نفوس نائعة.. ولكن يأتي حدث بسيط وعادي، الذي كان من الممكن أن يمر دون طبول تُقرع أو جعجعة تُسمع.. فيتحول بفعل فاعل إلى قضية رأي عام تستدعي التدخل والتوضيح منعا لتزييف الحقائق من تضليل الرأي العام، هذا الأخير الذي أصبح مقتنعا أن قضية توفيق بوعشرين وزملاءه من الصحافيين والمناضلين كانت بدوافع انتقامية .. وأن كل تلك الوقائع التي اعتمدت في تبرير المتابعة والمحاكمة والاعتقال ما هي إلا ذرائع واهية استعملت من أجل استمالة الرأي العام الوطني والدولي، خاصة الجهات التي تدافع عن حقوق المرأة … فتضمن حيادها وصمتها .. ولكن هيهات!!

 

فدون الخوض في ظروف وأجواء محاكمة توفيق بوعشرين، ولا في حقيقة الوقائع والمساطر التي كانت موضوع صراع وليس نقاش طيلة المحاكمة.. فذلك، وأمام استمرار منهج التزييف المتواصل من طرف بعض الجهات الذي يؤكد إصرار أصحابها على المزيد من التأزيم والتنكيل .. فقد قررت أن أخصص فيديوهات تتناول بالشرح والتفصيل قضية توفيق بوعشرين، بدءا من يوم المداهمة والاعتقال، إلى غاية قرار محكمة النقض، مرورا بجميع ما راج وماج وهاج داخل قاعة الجلسات وفي أروقة المحكمة وأمام الإعلام، وذلك إقامة للشهادة وإحقاقا للحقيقة وتخليدا للتاريخ ..

 

أما الآن، فإني سأخصص بعض الكلمات المختصرة تهم ما جاء فيما يشبه بيانا استنكاريا صادرا عن عضو من أعضاء ما يسمى هيئة الدفاع عن ضحايا توفيق بوعشرين (هكذا)، احتجاجا على منح جائزة الصحفية نجيبة الحمروني الصادرة عن جمعية يقظة التونسية، وهي جائزة سنوية تمنح لرجال ونساء الصحافة بمناسبة وفاة الصحفية المذكورة..

 

فإضافة إلى استنكاره منح هذه الجائزة إلى الصحفي توفيق بوعشرين، أبى شبه البيان (ذاك) إلا أن يبقى وفيا ومصرا على تحريف بعض الحقائق التي أصبحت معلومة بالضرورة وبقوة الواقع، ومن ضمن ذلك ادعاءه أن الفريق الأممي الخاص بالاعتقال التعسفي تراجع عن توصيته التي يطالب من خلالها الدولة المغربية الإسراع بإطلاق سراح توفيق بوعشرين وتعويضه عن الاعتقال التعسفي.. بعدما اقتنع هذا الفريق بما تأكد له من حقائق ومعطيات سليمة، وتبادل الرسائل والخطابات بينه وبين الحكومة المغربية من أن محاكمة توفيق بوعشرين لم تكن وفق معايير المحاكمة العادلة.. كما أضاف شبه البيان ذاك أن الفريق ذاته تضامن مع “الضحايا” وطالب القضاء بإنصافهن..

 

وللإشارة فقط، ومن باب الحقيقة التاريخية، فإن أول من تضامن مع ضحايا الملف هو توفيق بوعشرين نفسه، وكان ذلك في أولى جلسات المحاكمة، معتبرا إياهن أنهن ضحايا ملف مفبرك، استعملتهن جهات معينة مثل حطب لإيقاد النار .. وهو أول من طلب بحمايتهن وإنصافهن.. قبل أن يقوم بذلك الفريق الأممي.. وما يزال كلام بوعشرين مدونا في محاضر الجلسات لمن انتابه شك فيما أقول ..

 

وهنا يطرح السؤال؛ هل تضامن الفريق الأممي وتوصيته من أجل حماية “الضحايا” كان في مواجهة الدولة، أم في مواجهة توفيق بوعشرين؟

 

إن الجواب على هذا السؤال في غاية السهولة، ولا يحتاج إلى مجهود كبير ، ويكفي فقط الرجوع إلى بيانات وقرارات العديد من المنظمات الحقوقية والهيئات الوطنية والدولية ..

 

وقبل الحديث عن أحقية بوعشرين لجائزة نجيبة الحمروني من عدمه، وسياقها وأبعادها.. لابد أن نقف هنيهة عند بعض المعطيات والوقائع التي وثقها التاريخ ولا مجال لحذفها أو تحريفها ..

 

أولا: لقد سخرت الجهات التي حاكت المؤامرة ضد بوعشرين كل إمكاناتها المادية واللوجستيكية والإدارية والإعلامية .. ليس فقط من أجل صناعة قضية وهمية والانتقام من الصحفي بوعشرين ، بل نزلت بكل ثقلها الإعلامي من أجل تشويه سمعته والتشهير والفتك والتنكيل به وبأسرته .. وما تزال تلك الأبواق النشاز في المشهد الإعلامي التي تتصدره بتمويل رسمي من الدولة ماضية في تلك الحملات المغرضة، ولم تكفها أنه حوكم بمدة سجينة رهيبة، ولم يشف غليلها بعد عقل كل ممتلكاته وممتلكات زوجته المناضلة في صمت، بسبب وشاية كاذبة من مغرضٍ، مسكينٍ وحاقدٍ..

 

ثانيا: لقد سعت هذه الجهات بكل ثقلها ونفوذها استمالة المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية إلى صفها من أجل تحقيق إدانة وطنية ودولية، وتحقيق اغتيال رمزي للصحفي توفيق بوعشرين..

 

ولكن ماذا كانت النتيجة؟

* صدور مقرر أممي يؤكد على أن محاكمة توفيق بوعشرين لم تكن عادلة مع توصية بإطلاق سراحه الفوري وتعويضه عن الاعتقال التعسفي، هذا القرار ما يزال منشورا في موقع منظمة الامم المتحدة، الأمر الذي يفند ادعاء التراجع عنه.

 

* تضامن أكثر من خمسين جمعية حقوقية ومهنية مع بوعشرين مع استنكار عالمي لاعتقاله والمطالبة بإطلاق سراحه، وعلى رأسها منظمة مراسلون بلا حدود، منظمة العفو الدولية (أمنيستي)، ومنظمة هيومن رايتس ووتش..

 

* قرار البرلمان الاوربي يطلب من خلاله الدولة المغربية بإطلاق سراح بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني بعد تأكده من الخروقات الكبيرة التي شابت محاكمتهم ..

 

* تضامن العديد من المثقفين والمفكرين والزعماء التاريخيين المغاربة والدوليين مع بوعشرين مع المطالبة بإطلاق سراحه.
هذه كانت حصيلة المجهودات الكثيرة والجبارة التي قامت به تلك الجهات، صبت نتائجها كلها في صالح توفيق بوعشرين، وأصبح في نظر الراي العام الدولي والوطني بريئا ومعتقلا تعسفيا .. وهي تأكيد دولي وإجماع دولي على براءة بوعشرين وتعرضه لظلم ممنهج.. ومستمر .. وهذه هي الحقيقة التي ستكون موضوع حلقات مقبلة إن شاء الله لمن أراد المزيد من الاطمئنان واليقين ..

 

وكأن كل هذه المواقف والقرارات جاءت من فراغ، أو هي لتزجية الوقت، أو أن كل أولئك المختصين والخبراء ما هم إلا مناوؤون تحاملوا على الدولة المغربية .. أو أن مراسلون بلا حدود وأمنيستي وهيومن رايتس ووتش والبرلمان الأوروبي مجرد هواة أو متطفلون تطاولوا على ملفات حقوق الإنسان على المستوى الدولي ، وحشروا أنوفهم فيما لا يفقهون!!

 

والآن! ماذا بعد الجائزة التي كانت من نصيب بوعشرين؟

 

إن هذه الجائزة التي أغاضت البعض، ما هي إلا تأكيد آخر ينضاف إلى التأكيدات السابقة التي أصبحت تصنف من الحقائق والمسلمات الحقوقية والقانونية .. على براءة بوعشرين وتعرضه لاعتقال تعسفي خارج قواعد المحاكمة العادلة.. ولكن تبقى لهذه الجائزة رمزية خاصة هي التي كانت سببا في ردة فعل شاذة وخارج سياق موضوع الجائزة ورسالتها ..

 

فأما الرمزية المهمة؛ وهو ما تفطن له شبه البيان الاستنكاري، أن الجائزة تحمل اسم امرأة صحفية.. وهذا تأكيد قوي بطعم خاص، على أن اتهام بوعشرين باغتصاب نساء صحفيات والاتجار بهن ما هو إلا افتراء وإفك وبهتان في حق بوعشرين .. وأن كل تلك الادعاءات والاتهامات كانت خيالية وكاذبة باستغلال واستعمال صحفيات من أجل الإطاحة بتوفيق بوعشرين..

 

الرمزية الأخرى تقول بأن قضية توفيق عادلة، وتقتضي مواصلة التذكير بها واستمرار نضال الجسم الصحفي حتى إطلاق سراح توفيق بوعشرين وباقي الصحفيين المعتقلين .. فالصحيفة نجية الحمروني له خط تحريري وعمل نضالي شبيه بالذي كان يقوم به توفيق بوعشرين، في فضح الفساد ومناهضة الاستبداد .. والنضال الإعلامي المستقل من أجل الكرامة والحرية الإعلامية والعدالة الاجتماعية.. فإذا انتقلت الصحفية نجية إلى رحمة ربها على خطى النضال .. فإن توفيق بوعشرين وزملاءه الصحفيين ما يزالون يقبعون في السجون مستمرين على نهج النضال ومبادئه وقيمه وضريبته..

 

كل يوم يتأكد فشل مدبري اعتقال الصحفيين وتهافت روايتهم .. وتهاوي ادعاءاتهم .. فلم يعد أحد يستمع إلى تلك الأسطوانات المشروخة والأغاني البائدة.. بله أن يصدق أحد كلماتها .. وكل يوم تتأكد براءة الصحفيين ويعلو صوتهم خارج أقبية السجون من خلال بيانات وقرارات الهيئات والمنظمات الدولية، وتطفو صورهم على صفحات الإعلام الدولي والوطني رغم أنهم في ظلمات السجن وخلف القضبان رغم أنف الجهات أياها .. فلماذا هذا العناد الذي تصر عليه تلك الجهات؟ لماذا الإصرار علة تشويه سمعة المغرب؟ لماذا الإصرار على المزيد من الاختناق السياسي والتأزيم الحقوقي؟ من ضد الانفراج ؟ من ضد الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟ اكشفوا عن وجوهكم كي يعرفكم الجميع! عندها سيلقى كل مصيره الذي يستحق٪؜