الوضوح

شاركها

علال بنور: مدينة شفشاون ذاكرة تاريخية.

مدينة شفشاون ذاكرة تاريخية.

 

 

 

علال بنور – المغرب   

 

 

مدينة شفشاون او الشاون، تعني بالأمازيغية قرون، يمكن ان نسميها مدينة المولى علي بن راشد او مدينة السيدة الحرة. مدينة غنية بعوالمها الساحرة وتاريخها المتعدد والمتنوع، تسمح للزائر ان يراها بعيون السائح او بعيون الصحافي والمؤرخ والفنان.

 

كانت زيارتي لها خاصة ، بمناسبة انعقاد الملتقى الوطني العاشر لفن الكاريكاتير والاعلام ، الممتد من 20 الى 22 يوليوز 2018 . فقد احتضنت قاعة السيدة الحرة معرض الرسوم الكاريكاتيرية التي ساهم فيها مبدعون شباب، اما الندوة جرت بمسرح القصبة، وهي عبارة عن بناية اثرية، توجد بساحة معروفة ب وطا لحمام تزين جنباتها مقاهي ومطاعم ومحلات تجارية للسلع التقليدية، تعتبر هذه الساحة ملتقى جميع الازقة المؤدية الى احياء المدينة القديمة.

تتوطن المدينة شامخة على سفح جبل، تحيط بها جبال وغابات من كل الجهات، يتميز عمرانها بطابعه الحضري التاريخي، وبرونق رائع، كما يتميز سكانها بالطيبوبة والعفة في طباعهم، وعلاقات التسامح ومظاهر الوفرة في الغذاء، تنعم بالسياحة الداخلية والاجنبية.

 

منازلها ذات طابع تاريخي، من حيث بناياتها وابوابها ونوافذها وازقتها الضيقة المبلطة، محلات تجارية تزين ازقتها، تعرض سلعا تقليدية، تحيط بالمدينة القديمة ابواب منها باب رأس الماء وباب الحمار (بتشديد الميم)، وباب العين، بني السور المدينة القديمة بين سنتي 1471م و1511م، حسب رسم اللوحة المثبتة على جدار الباب. محاذاة لباب راس الماء توجد ثانوية الامام الشاذلي للتعليم الاصيل، يحيط بها سور تزينه لوحات جدارية، تعكس الشكل الجميل لمنازل وازقة المدينة، عددها 16 لوحة.

مدينة لا تخلو من مرافق ثقافية و ادارية و اسواق ، يتخيل للزائر انها منعزلة عن العالم الخارجي بحكم موقعها الجغرافي على سفح  جبل ، غير ان العكس هو الصحيح. بها طريق يؤدي الى  مفترق الطرق المؤدية الى تطوان ووزان .

 

يلاحظ الزائر العديد من الجوامع بصوامع ومآذن غير عالية وبهندسة بسيطة، ففي وقت الصلاة يسمع الزائر آذانا في توقيت موحد، يوحي لك انها مدينة روحانية في تناغم قدسي مميز، مع اذان الفجر الذي يتوحد فيه صوت المؤذن بين العديد من المساجد، يوحي انها مدينة صوفية. ومن الملاحظات التي تتير الفضول والتساؤل، بأقصى غرب المدينة بسفح جبل، يوجد مسجد بعيد عن أي تجمع سكاني، به قاعة الصلاة منعزلة عن موقع الصومعة. يقول بعض العارفين بموضوع المسجد المنعزل عن السكان، ان أصله كان ديرا للرهبان.

 

يوجد بساحة وطا لحمام فضاء تاريخي ذو سور شامخ وابواب ضخمة، منفتحة على احياء وأبراج، كأنها تحرس المدينة من الضياع، ببناية ضخمة تدعى القصبة بمحاذاتها مسجد بصومعة تاريخية، كما تتضمن غرفا لها باب يؤدي الى حديقة شاسعة. هذه البناية تجري فيها احتفالات طقوسية وملتقيات ادبية وثقافية وفنية.

 

يتخلل احياء المدينة القديمة، ساحات وشبكة من الازقة الضيقة – تذكرنا بمدن الاندلس – منها زقاق يمتد من باب راس الماء الى ساحة وطا الحمام، يحمل اسم السيدة الحرة على طول جنباته دكاكين صغيرة، تعرض السلع التقليدية وبها مسجد قديم، يدعى جامع ابي خنشة بحي الخرازين، بني مع بناء الحي خلال القرن 16 م بزنقة السيدة الحرة. مجاورة للمدينة القديمة ، وامام باب راس الماء، توجد مقبرة ومسجد قديم به ضريح المولى علي بن راشد . ولبلوغ راس الماء حيث منبع الوادي، يلزم الزائر المرور من زقاق طويل وسط حي قديم  بأزقة ضيقة على سفح جبل ، على طول الزقاق الذي يتفرع الى ازقة يلزمك قوة لصعوده ، تستقبلك دكاكين صغيرة تعرض منتجات محلية الصنع ، لينتهي بك الطواف الى مجرى الماء ومنبعه ، ولا تفوتك الفرصة، لشراء تذكار شاوي لوحة خشبية مرسوم عليها باب راس الماء .وللماء حضور روحي في حياة سكانها من خلال تزيين  الحدائق والازقة  والنوافذ بالزهور وكذا تزيين الجدران باللون الأبيض واللون الأزرق الفاتح مع الاعتناء بفضاءات المراحيض في الاحياء وهي ثقافة اندلسية جبل عليها السكان .

 

الشيء الذي اثار انتباهي وانا في متعة، كذلك، يصادفك اناس طيبون يعرضون للبيع الفاكهة الموسمية ووجود صفوف من باعة الخبز، يحكي صاحب فندق ان المدينة تنعم بالأمن بدون اجرام، مدينة مسالمة، يمكن للزائر ان يتجول بدون خوف في مأمن تام ولو في منتصف الليل. مدينة محافظة لغة وسلوكا ، تسمع كلمات من قبيل : خاي محمد / خاي عبد السلام / الله يرحم والديك . يرحم باباك. تتكرر باستمرار بنبرة جبلية تنطق بحروف عربية متناغمة الحركات والسكنات. غير ان الشيء الذي اثار فضولي أكثر، هو سماعي أكثر من مرة مناداة اسم علال، فسألت شيخا امام دكانه عن سر اسم علال المتداول بكثرة، فقال: هو اسم امازيغي تتبرك به العائلات الجبلية.

 

وللتأريخ، تأسست مدينة الشاون 1471 على يد المولى علي بن راشد، لجمع شتات مسلمي الاندلس بعد حروب الاسترداد، فهي تبعد شمالا عن وزان ب 70 كلم وعن تطوان جنوبا ب 64 كلم، بنى الامير علي بن راشد القصبة المحصنة، حيث كانت مسكنا لأسرته وتعبر عن النواة الاولى للمدينة، فتحولت فيما بعد الى مقر لقيادته. اما ساحة وطا الحمام التي توجد امام القصبة فهي تعد قطبا للمدينة فكل الازقة تؤدي اليها. يحكي رجل مسن ، ان هذه الساحة كانت في الاصل سوقا اسبوعيا يأتيه القرويون من ضواحي المدينة لعرض سلعهم ، فهي اليوم ساحة سياحية ، سألت عن اسماء الاحياء، فوجهني شيخ شاوني الى حي السويقة ، فهو من اقدم الاحياء بني لاستقبال عائلات اندلسية ،التي  قدمت من الاندلس مع الامير علي بن راشد ، ثم حي الصبانين الذي يقع في اتجاه الازقة المؤدية الى الوادي المعروف برأس الماء ، فهو منبع ومجرى يزود المنازل بالماء الشروب ، اما حي الاندلس ، اطلعني على معرفته شيخ يملك دكانا مساحته 2 متر مربع ، يعرض سلعة تقليدية شاونية ، يقول هذا الشيخ : ان حي الاندلس بني لإيواء المجموعة الثانية من مسلمي الاندلس ، ولا يتذكر السنة بالضبط يقول : حوالي 1490 م .

 

لا يمكن فصل تاريخ المدينة عن تاريخ الجهاد ضد الغزو المسيحي خلال القرن 15م، فأرتبط الجهاد باسم الاميرة السيدة الحرة، التي حكمت المدينة بعد وفاة الاب علي بن راشد، ولدت بالشاون 1495 من ام اسبانية، تزوجت القائد المنظري حاكم تطوان، وهي من اسست ميناء مارتيل، الذي كان له دور مهم في الجهاد البحري، بقوتها زرعت الرعب في الاسبان، فلقبها ب بربروس تطوان تشبيها للمجاهد التركي خير الدين بربروس، يوجد قبرها بالزاوية الريسونية وسط مدينة الشاون. فالأحياء العتيقة للمدينة بمنحدراتها و اعاليها  المنعرجة، تخلق لدى الزائر احساسا بالغرابة : لماذا هذا التشابه و التطابق في الازقة و الابواب و النوافذ  والصوامع؟ فالسائح قد يتيه في ازقتها، لتنتهي به الرحلة الى حنين مفعم بالشجن والشجي الى الفردوس المفقود …

 

تنفتح الشاون على ثقافات متعددة بتعاقب الدول وتفاعل الاجيال، مع حضارة كونية انسانية. لذلك تسعى الى الحفاظ على هذا الغنى الفني والثقافي من خلال مهرجانات عدة مثل مهرجان الشعر “المعتمد بن عباد ” ومهرجان المسرح وملتقى الكاريكاتير والاعلام… ولا شك ان الزائر سيكتشف كذلك انتشار الزوايا، والاضرحة التي شهدت حضورا للتصوف على مستوى التربية الروحية والطرب والغناء، عبر مجموعات نسائية ورجالية.