الوضوح

شاركها

حسن برني زعيم: البكالوريا: هل هي امتحان؟ أم مباراة في النسيان…؟

البكالوريا:هل هي امتحان؟

أم مباراة في النسيان…؟

 

 

 

حسن برني زعيم – المغرب

منذ سنوات، اختارت وزارة التربية الوطنية نظاما لامتحانات البكالوريا ، فجعلت معدل النجاح يتشكل من مرحلتين؛ مرحلة الأولى بكالوريا؛ ومرحلة الثانية بكالوريا؛ ففي نهاية السنة الأولى يجتاز التلاميذ امتحانات في مواد ثانوية قياسا على المسلك المختار؛فتلاميذ المسالك العلمية، مثلا، يمتحنون في مواد اللغة العربية و التربية الاسلامية و الاجتماعيات،و تلاميذ المسالك الأدبية يمتحنون في بعض المواد كالفرنسية و التربية الإسلامية و الرياضيات.

 

و إذا كان في هذا النظام، الذي تعمل به كثير من الدول منها فرنسا، جوانب إيجابية تتلخص في التخفيف من ضغط المواد؛ فإن هناك أمورا أخرى تحتاج إلى إصلاح، منها ما يتعلق بالمناهج، ومنها ما يتعلق بالمقررات، ففي مسألة المناهج يلاحظ أن بعض المواد التي تدرس في بعض المسالك تحتاج إلى إعادة النظر فيها، وأعني بذلك بعضا منها الذي لا يحتاجه الطالب في سوق الشغل ولا في الحياة، وذلك حسب تخصصه في التعليم العالي.،ومن أمثلة ذلك نجد تلاميذ اختاروا الهندسة الميكانيكية للسيارات ويمتحنون في الامتحان الجهوي في مادة التربية الإسلامية والاجتماعيات واللغة العربية دون اعتبار الشعب التي تطمح إليها فئات التلاميذ بعد نيل شهادة البكالوريا ؛ في حين كان من المناسب أن يكون محتوى المقررات معدلا ومختلفا ليناسب اهتمامات الطالب في الجامعة، كأن يضم مقرر الاجتماعيات مثلا تاريخ العلوم ومساهمة المغاربة في تطويرها. هذافقط مثال يتصل بأمثلة أخرى تشبهه..

كما أن هناك مواد مدرجة ضمن الامتحان الجهوي، و من ذلك بعض دروس الجغرافيا والتاريخ التي تتضمن إحصاءات و أحداثا مر عليها الزمن وصارت غير مناسبة لما يعرفه العالم من تقلبات اجتماعية وثقافية وجيو سياسية ، و في اللغة العربية محتويات تعالج أنواع الخطاب والحداثة والتكنولوجيا قد تقادمت ولم تعد تواكب التحولات المتسارعة، بل ترجع بالمتعلمين إلى عالم صار متجاوزا تقنيا وتواصليا وإعلاميا ، و هذا مما جعل بعض التلاميذ يشعرون خلال تناولها بالدراسة و الحفظ بأنهم يجترون معلومات فانية لا حياة فيها.

 

و من الأمثلة الأخرى على ذلك، أيضا، امتحان التلاميذ العلميين في دروس علوم اللغة العربية كالاستعارة المكنية و التصريحية و الطباق و المقابلة!!!!! و غيرها من الأساليب التي تتصل اتصالا دقيقا بالإنتاج الأدبي ، و التي لم تعد لها ضرورة في مجال التواصل و المحادثات و لا في التطبيقات العلمية أو الصفقات التجارية…..

 

فهل يكون من المفيد اختيار محاور عامة مخففة خاصة بهذه المواد التي يمتحن فيها التلاميذ ضمن الامتحان الجهوي كالتواصل و المحادثات و تطوير الخطاب باللغات الوطنية و الأجنبية…. و تُترَك الدروس المعمقة في كل من التاريخ و الجغرافيا و اللغة العربية و التربية الإسلامية لذوي التخصص في التعليم العالي.. ؟

 

كما أن هناك مسألة أخرى تتعلق بطريقة وضع الامتحانات والمقاربات المتبعة،والتي تعتمد بنسبة غالبة على الحفظ وإرجاع البضاعة إلى أهلها كما يقال. وهكذا يتحول الامتحان الجهوي من البكالوريا في كثير من المواد من غاية لاختبار مستوى التفكير والتعليل والتحليل والاستنباط والمقارنة إلى مباراة في النسيان؛ بمعنى أن التلميذ الذي ينسى أقل هو الذي سيحصل على نتائج أفضل.

 

فهل البكالوريا، للعقول ، امتحان أم مباراة في عدم النسيان…؟