الوضوح

شاركها

عبد الإله شفيشو : السِّجْـنُ، السَّجِيـنٌ، السَّجَّـانُ

السِّجْـنُ، السَّجِيـنٌ، السَّجَّـانُ

 

 

  عبد الإله شفيشو / فاس

 

 

(ما دامت روحي حرة فأنا قادر على زراعة وردة داخل سِّجْني ، ومهما كانت الظروف التي وضعت فيها قاسية فأنا قادر على اختراع لغة أخاطب بها سجينا معي، وأحيانا أكون قادرا على إقناع سجَّاني بأني سجِينٌ حرية الرأي والتعبير وأنه عن طريقي يمكنه أن يمارس حريته، فأنا أحقق من خلال هذا السَّجَّانُ جزءا كبيرا من حريتي، فكل سجِينٌ يجب عليه البحث عن طاقة ينظر منها لعالم حريته التي يحلم بها فمساكين أولئك الذين لم يدر في خلدهم يوما أن الفضاءات المطلقة تبدأ من الجحور الضيقة هنالك تصنع الحياة ويعاد ترتيب مكوناتها هناك يتهجأ الإنسان حروف ولادته من جديد)،

 

هذه الفقرة-و أنا أؤدي ضريبة من حريتي بالسِّجْنُ المحلي شفشاون جراء إبداء رأيي في كيفية تعامل الدولة المغربية مع الجائحة-كنت راسلت بها  المندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج  لما توصلت بدعوة من هذه الأخيرة للمشاركة في المسابقة التي أعلنت عنها المندوبية بخصوص جائحة Corona Virus في إطار حرصها على ضمان التواصل بين نزلاء المؤسسات السجنية وسعيا منها إلى فتح فضاءات الإبداع الأدبي والفكري والفني أمام هؤلاء النزلاء، والتي سيتم بالمناسبة نشرها على مجلة دفاتر السجين العدد 03.

 

إذا أردت أن تعلم قسوة السَّجَّانُ وتواطؤ السِّجْنُ فاسأل السَّجِينٌ أو ذويه إذا أردت أن تتذوق صدق المعاناة وتتذوق طعم الحياة الآخر فرجاء لا تقرأ رواية عن الحب السرمدي ولكِن اقرأ في أدب السجون “للطاهر بن جلون” في روايته (تلك العتمة الباهرة)، لقد تحول الوطن إلى سجن كبير كحال مثيلاته من بلدان الربيع العربي بفعل حالة القمع التي أفرزتها الثورة المضادة لكن قصة السجناء وأخص بالذكر سجين الرأي تبقى قصة مفصلية داخل السجن ومع السجان فهو يتقاسم العذاب مع أهله ورفاقه هو في زنزانته وهم خارجها هو يتمنى الخروج ليراهم ولو للحظة وهو يتمنوا الدخول إليه ليروا ماذا يصنع به السجان في السجن وهمزة الوصل بينهما سجان تجرد من القيم الإنسانية قبل الدينية، السجين لا يملك من الحرية إلا قدرا ضئيلا يحرك فيه بعض حواسه أما أنفاسه وأقواله وأفعاله وملبسه ومأكله فلا يملك منها إلا بقدر ما يسمح السجّان ويشكل التعذيب الجسدي والنفسي وجبة أساسية التي تتوفر لسجين الرأي طوال الوقت وبأصناف متعددة تتمايز بينها فيما تحدثه من آلام وآثار في نفسيته وجسده.

 

لقد اكتشف الفيلسوف الفرنسي “ميشال فوكو Michel Foucault” أن السِّجْنُ والسَّجَّانُ لهم أدوات وظيفية فهم أداة قمع للفكر وأسلوب اضطهادي في علاقة بالسَّجِينٌ وبمحيطه الاجتماعي وضرب لأهم مقوماته النفسية ألا وهي الحرية، وفي الواقع لا يعرف السجن إلا من دخله ولا وحشة الانفرادية إلا من ذاقها ولا التعذيب إلا من امتلأت مفاصله بالرعب وأذنيه بصراخ المعذبين في ظلمة الليل البهيم ونشاط الحشرات الليلية والخفافيش وعناصر المخابرات، لقد سرقت آلة القمع في وطننا خيرة شبابنا وأصبح السجن الذي هو مكانا طبيعيا للفاسدين و المجرمين إلى مكان يكتظ بالأحرار والمفكرين وحملة الأقلام بهدف  كسر العلاقة بين السجين ومثله الأعلى فآلة القمع لا تهمها التصفية الجسدية فقيمة الجسد هي من قيمة الأفكار وقيمة النشاط السياسي من قيمة الذي يمارسه حامل الأفكار ولذا كانت مهمة السجن و السجان الأولى أن يتوب السجين ويقلع عن نشاطه بشروط التوبة النصوح  عما بدر منه والتبرؤ من هذا الفكر الثقيل الذي يحمله على عاتقه، وهي ثانيا تقوم باعتقال عينات ليس لذاتها بل لإرهاب غيرها من أجل قطع سلسلة انتشار الأفكار وبذلك تقطع العلاقة بين حرية الرأي والشعب كما يقطع الرأس عن الجسد فتقتل الشعب قتلا ويصبح جاهزا لأي احتلال خارجي أو انفجار داخلي.

 

الوطن صار يدار من منطق الخوف فكل صاحب رأي حر ومن يتوقع منه أي تأثير محتمل لا بد من إخراس صوته بطريقة ما فهذا يتم اغتياله معنويا عبر الإعلام وتلفيق التهم وهذا يتم اعتقاله وهذا يتم ابتزازه وإرهابه بتلفيق وافتراء وزيف مع إفساح الفرصة لمدعى الوطنية لتصدروا المشهد، فكل الشواهد و الوقائع تؤكد أن الوضع الحقوقي في خطر عظيم فبدلا من إنهاء قضية معتقلين الرأي إذا بهم يزيدون وترتفع أعدادهم وتتوسع دائرة البطش والدولة تتعمد الكذب وتبييض صورتها عبر فبركة صورة وردية عن سجونها المظلمة بالتعاون مع هيئات حقوقية تابعة لها ولا تتحلى بأدنى معايير المصداقية وكذلك نواب لا يمثلون الشعب بل الكذب وخدمة أجندة السلطة، ولم تتوقف الدولة عن زعمها بأن المشهد الحقوقي في المملكة  شهد تطورا متناميا على صعيد البرامج والمبادرات والاتفاقيات التي التزمت بها وتأتي مزاعمها في وقت تتزايد فيه إفادة السَّجِينٌ بشأن تعرضه للتعذيب داخل السِّجْنُ من طرف السَّجَّانُ ، “نلسون مانديلا” في رسالة كتبها من سجنه إلى وزير العدل عام 1996:(لا تعد الحكومة السجن مؤسسة لإعادة التأهيل، وإنما وسيلة لإنزال العقاب، لمعاقبتنا وشلّنا، حتى لا نتمتع من جديد بالقول والشجاعة لتحقيق أهدافنا).