الوضوح

شاركها

محمد السميري: في أصل نقد مفهوم الطليعة

في أصل نقد مفهوم الطليعة

 

محمد السميري – المغرب

 

بدءا أقصد بالطليعة ذلك المفهوم الذي كان رائجا ولا يزال في أوساط اليسار المغربي منذ السبعينيات. انبثق هذا المفهوم من اشكالية علاقة الفكر بالواقع، أو قل بعلاقة النخبةالسياسية(المناضلين) بالجماهيرحيث طرح السؤال:هل ينبثق الوعي من داخل الجماهير أم يأتيها من خارجها ؟وقد كانت لأطروحات لينين وجورج لوكاش وانطونيو غرامشي… الدعامة التي بنى عليها اليسار تصوراته لهذه الإشكالية التي مفادها أن لا بد للجماهير من نخبة/طليعة تقودها لانجاز الثورة الوطنية الديمقراطية وتحقيق الاشتراكية بواسطة ديكتاتورية البروليتارية وزوال المجتمع الرأسمالي الطبقي.

 

ان السؤال الذي يطرح نفسه هو:هل لازال لمفهوم الطليعة/النخبة راهنيته ومصداقيته بعد التحولات والتغيرات على الصعيد المحلي والعالمي؟

 

أصدر في مقولي هذا عن علاقة المناضل اليساري الطليعي بالمنظومة الفكرية الماركسية التي من خلالها ينظر للمجتمع وقضاياه ويبني عليها آماله وتطلعاته فأبادر بالقول أن هذه العلاقة كانت تقوم على التقديس واالتأليه، من منطلق أن الفكر الماركسي هو آخر ما وصل اليه الفكر البشري، مستمدا مصداقيته وشرعيته في ارتكازه على ما وصل اليه التطور في المجال العلمي، والمؤسف أن عددا كبيرا من المناضلين من الشباب اليساري ليسوا مطلعين بالشكل الكافي على هذا الفكر درسا وتحليلا وطرحا لأسئلة نقدية في علاقة هذا الفكر بالذات والواقع، بل ان الاغلب الاعم (وليس الكل) لا يعرفون الاما يصدر عن قادتهم ومؤسساتهم الحزبية من بيانات وشعارات، بعيدا عن أي تكوين فكري نقدي وامتلاك للأدوات المعرفية التي تحث على النقد والمساءلة وانتاج المعرفة..

 

ان مفهوم الطليعة يصدر عن وهم ان داعية الاشتراكية والثورة يعتقد أن هناك مقولات ونظريات جاهزة صالحة للتطبيق تستمد قوتها من رمزيتها التاريخية كدليل على مصداقيتها في علاقتها بواقع مغاير له صيرورته وحركيته وايقاعه ، وهذا ما أدى الى فشل النموذج الفكري الذي دافع عنه اليسار الطليعي مند ما ينيف عن أربيعين سنة،في عصم النظرية عن الخطاء واتهام الواقع والناس والظروف، أما المنتقد أو المشكك في النظرية فشيطان مارق، انتهازي، ضال عن الطريق، يجب محاربته وعزله،انها ممارسات وتجريحات تعود عليها اليساريون التقدميون في وصف من اقترب من آلهتهم بسوء،التي تصدربنفس الحجم عمن تعود اليساريون وصفهم بالظلامية والذين بدورهم يصفون مخالفيهم في الرأي بالكفر والزندقة. ان السؤال الذي لم يجرؤ اليساريون الطليعيون طرحه على انفسهم هو: لماذا لم يفلحوا في ترجمة شعاراتهم؟لقد نصب الطليعيون انفسهم رسلا للثورة، وقادة للحقيقة المطلقة، والنتيجة هي الفشل والإحباط وتشظي هذه التنظيمات لملل ونحل وفرق وجماعات كل جماعة تعتبر نفسها على حق والآخرون على ضلال، لقد ناضلوا من اجل الحرية فاءذا بالحرية تتراجع،وآمنوا بالعلمنة، فاءذا بالحركات الاصولية تكتسح ساحة الفكر والعمل.

 

فمن السبب ياترى فيما آل اليه واقع اليسار الطليعي؟

 

يرجع الطليعي السبب الى القمع السياسي، وتارة الى تردي الوعي الجماهيري، اوالى اسباب خارجية كالغزو الثقافي والاقتصادي الامبريالي، فالطليعي يوجه سهام النقد الى ما هو خارج الذات، نافيا بذلك اي مسؤولية قد تضعه موضع النقد والمساءلة. لا يمكن لاحد ان ينكر ما لهذه العوامل من تأثير قوي على المسار النضالي لصاحب المشروع الطليعي في تعاطيه مع الواقع المعقد لكن يبقى الجزء المسكوت عنه كتحليل موضوعي لهذه الظاهرة بعيدا عن المزايدات الفجة رهين نرجسيته وتعامله مع ذاته بشكل نخبوي اصطفائي، أي اعتقاده بأنه يمثل المجتمع،كحارس للوعي فكانت النتيجة تهميش دور وابتعاده عن أهدافه وطموحاته، ان مشكلة اليساري الطليعي انه نصب نفسه نبيا، فيما هو مقطوع عن الناس وعن المجتمع، لا يعرفه ولا يعترف به الا قلة قليلة ممن منحوا صك الطليعية،وهم في الاغلب الأعم طلبة جامعيين، دفعتهم فورة الشباب وعنفوانه بالتمرد الوجودي على الذات و المعتقدات والأفكار التقليدية، والبحث عن تحقيق لهذه الذات ضمن سياق الانتماء للجماعة/الحزب..

 

ان ما أردت طرحه هوفقط اثارة بعض الأسئلة المغيبة للنقاش كطابوهات وممنوعات وهي الشجرة التي تخفي الغابة حول مصداقية ثنائية الطليعة والجماهير والتعاطي االنخبوي معها في وضع بات فيه اليسار الطليعي فاقد المصداقية والفاعلية، وبات أعجز عن أن يقوم بتنوير الناس وتثقيفهم، بل أصبح هويحتاج الى أن يتنور بنقده لنفسه وتفكيك خطابه بعد ما أصاب العالم من تحولات وانهيار الايديولوجيات الكبرى التي كانت تعتبر صالحة لكل زمان ومكان، فكان أن سقطت كل المشاريع من اليسار الى اليمين ومن الاشتراكية الى الاصولية والعلمانية،ان مشكلة الطليعي اذن لم تعد فقط الدولة او المجتمع فقد اضحى هو جزءا من المشكلة،فقد حان الوقت لمساءلة أفكاره ونظرياته ومفاهيمه بنفض غبار القدسية عليها من منطلق تحمل المسؤولية التاريخية.