مساهمة في قراءة تاريخ الشراكسة
علال بنور – المغرب
تقتضي قراءة حضارات الشعوب العريقة في التاريخ، الاطلاع على تاريخها بلغتها والاعتماد على مؤرخيها، فبالرغم من جهلنا للغتها، فان ذلك لا يمنع من تتبع تاريخها من خلال الباحثين الذين لهم مصداقية في بحوثهم، ففي هذه الدراسة لا ننوي الشمولية والمعرفة الدقيقة بحضارة الشراكسة، فمحاولتنا ستقتصر على التعريف والقراءة المتأنية لفهم هذه الحضارة.
من هم الشراكسة؟ هم مجموعة من الشعوب لهم حضارة عريقة في البشرية، تشمل سكان شمال القوقاز من “اديغة” و”شيشان “و” آفار” و “لزجين” الى غيرها. ما معنى كلمة شركسي؟ في اللغة الكردية هي الشخص المحارب ، يقول المؤرخ الشركسي يوسف عزت أن شعوب الاديغة وشيشان تنحدر من نفس العرق ، كما يقول المؤرخ الشركسي “شورابكيمر زانو غموقة ” ، أن الاسم الحقيقي للامة الشركسية والذي بقي محفوظا حتى الان هو “ANT ” ، وهو اسم قبيلة تعتبر أساس القبائل الشركسية ، ويؤكد ذات المؤرخ، أن الاسم حرف ، فاصبح اديكة او اديجة او اديغة ، ويستطرد في القول ، أن اصل الكلمة من اللغة الفارسية والبعض يعتبرها من اللغة التترية .والبعض الاخر يقول أن اسم الاديغة اطلقه الاغريق ، وهناك من المؤرخين ، يؤكدون أن اسم الشراكسة اطلقه الاغريق او الاكراد على شعوب القوقاز .وليس هناك قبيلة تعرف بهذا الاسم ، وانما هو لقب يخص كل سكان المنطقة. بل الاسم الأصلي لشعوب القوقاز هو ANT، وهو اسم القبيلة التي ينحدر منها جميع القبائل بالقوقاز.
كما يعتبر الشراكسة في معظمهم مسلمون، وبوجودهم قديما بشمال القوقاز اختلطوا بشعوب أخرى، الشيء الذي أدى الى فوارق لغوية بينهم مع وحدة ثقافتهم الإسلامية والحضارية، فلعبوا دورا محاربا الى جانب صلاح الدين الايوبي منذ القرن 12 م.
فالموطن الأصلي للشراكسة هو مرتفعات القوقاز بين البحر الأسود وبحر قزوين، استوطنوا هذه المنطقة الجد مضرسة منذ 7000 سنة، فيها انتقلوا من الحياة القبلية الى الحياة المدنية، فالهرم السكاني قديما كان يتكون من طبقة النبلاء وفي اسفله عامة الاحرار.
عرفوا اليوم باسم الشراكسة في معظم اللغات ، غير انهم لم يحملوا هذا الاسم سابقا ، ويشتق هذا الاسم من الأماكن الجغرافية التي استوطنوها ، فلعبت التضاريس سدا حمائيا للشراكسة ، كما أن الظروف الطبيعية القاسية جعلت شعب القوقاز يتميزون بشخصية صلبة لها القدرة على التحمل ، فمنذ القرن 19 ، كان العثمانيون قد استعانوا بهم في حروبهم نظرا لقدراتهم الحربية ،وفي نفس القرن ، سيطر على القوقاز الروس والعثمانيون ، فاندلعت حرب طويلة بين الشراكسة والروس انتهت 1864 ، أدت الى إبادة جماعية وطرد الكثير منهم من القوقاز، والباقون خضعوا للسلطة الروسية ، وحسب بعض المؤرخين بقي منهم في القوقاز 3% و97% يعيشون الشتات ، ولا زال الى اليوم يحتفل الشراكسة بذكرى شهدائهم يوم 21 ماي من كل سنة .
عرف الشراكسة هجرات الى الإمبراطورية العثمانية خلال القرن 19 م، ثم هجرت موجات أخرى الى سوريا والأردن ويوغوسلافية سابقا، بل منهم من هجرالى بعض الدول الأوروبية، والبعض منهم هاجر الى الولايات المتحدة الامريكية، وما بقي منهم بالقوقاز اسسوا جمهوريات بالاتحاد السوفياتي، منها جمهورية اديغية وشيشان. فمع الحملات التطهيرية العرقية، أصبحوا اقلية في أراضيهم، اليوم يعيش 4,5 مليون نسمة في تركيا وفي سوريا نحو 35 ألف نسمة. كما يوجد جزء منهم بالأردن ومصر وليبيا وفلسطين. ومع بداية القرن العشرين، إثر الاحداث التي عرفتها روسيا تزايد عددهم نحو الدول العربية.
لا زال الى اليوم، يحافظ الشراكسة على لغاتهم ودينهم الإسلامي وثقافتهم الموروثة عن اجدادهم القدماء، فبالرغم من انفتاحهم على الحضارة المادية الأوروبية، فانهم فخورون بثقافتهم في اللباس المعروف ب “فاشا” و”جوخا” عبارة عن معطف طويل والقبعة، اما النساء يرتدين ملابس مزينة بالحلي والطرز، فملابسهم التقليدية، لا زال يلبسها كبار السن في المناسبات، اما الشباب يعيشون الحياة العصرية الغربية. كما أن الشراكسة بارعون في الرقص الذي يعبر عن ثقافتهم، يدعى “اديغا كافا” يعتمد على إيقاع الطبول والناي والكمان والا كورديون.
ومن جهة أخرى، يتميز الرقص بالخفة وسرعة الحركة ويختلط النساء بالرجال في لوحات رقص جميلة، يرافقهم الأطفال بلباسهم التقليدي، لذلك نجد الشعب الشركسي متمسكا بتقاليده في اللباس والرقص والاكل.
فبالرغم من اندماج الشراكسة في ثقافة المجتمعات التي هجروا اليها، لا زالوا يحافظون على ثقافتهم نذكر جزا منها:
– تتساوى المرأة والرجل في التعليم والوظيفة والأجور ولها مكانة فخرية في المجتمع.
– من حق المرأة اختيار شريك حياتها.
– عند الوفاة يقوم المؤذن في المسجد بالصلاة على النبي محمد(ص).
– تتم المصافحة باليدين وعند مرور شخص مسن يقف الشباب احتراما له – لا يجوز رفع الصوت او الضحك في اجتماع يكون فيه كبار السن – منع تعدد الزوجات ويعد الطلاق من المحرمات.
– لا يحضر اهل العروس حفل زفاف الذي يقيمه العريس – للحفاظ على الخصوصية الثقافية يتزاوج الشراكسة مع بعضهم البعض – سيادة ثقافة تبادل الرضاعة.
عموما، تعتبر الثقافة الشركسية عريقة في التاريخ، لها خصوصية تميز شعب القوقاز، شعب مرسته الطبيعة القاسية والحروب مع العدو الخارجي.