الوضوح

شاركها

ليلى الشافعي: تجربة الفنان التشكيلي عبد السلام ازدم في فضاء جمعية بنسليمان الزيايدة

تجربة الفنان التشكيلي عبد السلام ازدم في فضاء جمعية بنسليمان الزيايدة

 

 

ليلى الشافعي/المغرب

 

في مهابة الشيخ الحكيم الذي يصمت كثيرا لينطق دررا، جلس الفنان التشكيلي والنحات المغربي كواسطة العقد، يلفه يمينا الكاتب والمترجم عبد السلام المودني، ويسارا الفنان المغربي والحكواتي متعدد المواهب عبد الإله خطابي، في حين انتحت مسيرة الجلسة حفيظة باحسان نائبة أمين مال جمعية بنسليمان الزيايدة منصة صغيرة مركونة على جنب، لتعرف من خلالها بالحاضرين بأسلوب شاعري جميل.

 

 

 

التاريخ: العاشرة ليلا من إحدى الليالي الرمضانية الجميلة، المكان: مقر جمعية بنسليمان الزيايدة، والحدث، استقبال كل من جمعيتي “بنسليمان الزيايدة” و”منتدى مبدعات بلا حدود” الفنان التشكيلي عبد السلام ازدم لعرض لوحاته ومنحوتاته أولا، وللحديث عن تجربته الفنية ثانيا ولتوقيع كتابه “أقوال منحوتة” الذي كتبه مع فوزية الابيض، الشاعرة باللغة الفرنسية، ثالثا.

 

وبعد كلمتي الترحيب لكل من مصطفى بن الصباحية أمين مال جمعية “بنسليمان الزيايدة”، وليلى الشافعي  رئيسة “منتدى مبدعات بلا حدود”، تدخلت السيدة حفيظة باحسان للتعريف بضيف الجلسة الفنان العصامي عبد السلام ازدم، معتبرة أن أعماله ترتبط بحالات أشبه بالصوفية (في العلوم والفلسفة والفن والثقافة)؛ مشيرة إلى أن شخصياته عبارة عن أجساد في حالة تفكر وتأمل وانفعال، بعيدا عن أي تلميح حسي.

 

واستطردت السيدة باحسان، أن الفنان يشتغل في منحوتاته على الحجر الرملي الذي يشكله كمنحوتة بعد طبخه على لهب عال، كما يستعمل المعجونة الورقية للوحاته التي يرسمها على القماش أو على الخيش أو الخشب مشيرة إلى أن مقارباته الفنية قادته اليوم إلى العمل على دمج الرسم والنحت وانفتاحه مؤخرا على التركيب ( (L’installation، مشيرة في الختام إلى أنه نظم عدة معارض فردية وجماعية داخل المغرب وخارجه.

 

ومن جهته أكد القاص والروائي والمترجم عبد السلام مودني، على فرادة وتنوع أعمال عبد السلام ازدم، معتبرا أن الرسم والنحت، وإن بديا متقاربين، إلا أنهما أشبه بعالمين مستقلين يتميز كل منهما بطقوسه ومناخه وقوانينه وحدوده “إلا أن الفرادة تكمن في أن آليات تشفير الرموز لديه واحدة، وحتى نكون أكثر دقة، فهي تتكلم لغة واحدة. ومن أجل فهم لسانها، ينبغي الإحاطة بعدة خالقها الذي درس علم الاجتماع ودرَّس الفلسفة وتعامل مع الكلمة في المقالة وتعاطى مع قضايا الإنسان الوجودية الكبرى مناضالا ومنظرا”.

 

واعتبر المتدخل أن الجسد يعد خلفية مادية يعتكز عليها الفنان في الرسم والنحت، وهو مختلف باختلاف القالب الفني، وهو بليغ في حديثه وحي في حركاته وحكيم في إشاراته في اللوحة، أما في المنحوتة فالأجساد النصفية تمنح الانطباع على حريتها في تكبيلها وصراخها في تكميمها وكمالها في نقصانها.

 

وقال إن اللافت في تجربة عبد السلام أزدام، أن الجسد الذي يبدو محوريا لا يملك إلا دورا وظيفيا كمدخل يفضي إلى العمق والجوهر والروح مشيرا إلى أن الفنان يقيم عقدا ابتدائيا مع المتلقي بنوده الدال والمدلول عليه، المصرح به والمسكوت عنه، الصارم والقابل للتأويل؛ وأنه أمام أعمال الفنان، نحن إزاء أسئلة فلسفية ووجودية تتناسل لتفضي جميعها إلى ماهية الإنسان حيث تنتفي التفاصيل والنقائص والخصائص لتأخذ القيم الإنسانية الكبرى والعميقة مكانها كلغة مشتركة يفهمها الجميع لكن كل حسب درجة إصغائه للمخاطب.

 

وبعد إنهاء مداخلته، تقمص السيد المودني دور الصحافي، الذي سبق أن شغله في فترة من فترات حياته المهنية، فطرح عليه ثلاثة أسئلة كان أولها متصل بكتاب “أقوال منحوتة”، طالبا من الفنان الحديث عن هذه التجربة، عن نشوئها والمخاض فالولادة والتقييم.

 

ورد الفنان متفقا ومختلفا مع وجهة نظر المودني، معتبرا أن العمل الفردي يطال بعض الأجناس الفنية فقط، كالكتابة والتشكيل والشعر لكن هناك أشكال فنية تحتمل العمل المشترك كالسينما والموسيقى، مشيرا إلى أن هذا الإنجاز المزدوج هو توقيع عمل فني مشترك بين الشعر والفن البصري.

 

وأوضح أن هذا الإنجاز المزدوج جاء كنتيجة لعلاقة صداقة طويلة تتجاوز العشرين سنة بينه وبين الشاعرة فوزية الابيض، “قائلا: “أقوال منحوتة، تواطؤ فني” هو كتاب أنجزناه سنة 2018 لنوقعه معا سنة من بعد،  وكان كنتيجة لصداقتنا، فأنا قمت بمعرض للوحاتي برواق محمد الفاسي بوزارة الثقافة بالرباط سنة 1999  وكانت صديقتي فوزية الابيض هي من حرر نص كاتالوغ المعرض الفردي الذي نظم بشراكة مع اتحاد كتاب المغرب آنذاك والذي كان يرأسه الصديق حسن نجمي، وبعد ذلك طبعت الصديقة فوزيه الابيض أول ديوان لها “منديل آدار” وأنجزت لها تصميما لمجموعتها الشعرية كما أن غلافه يحمل إحدى لوحاتي، وفي بداية  2018  اختارت صورا لبعض أعمالي واقترحت علي أن تنظم قصيدة بصدد كل عمل، وأطلع على المحتوى لنتفق أو نغير .. وهكذا انتهينا إلى طبع هذا الكتاب ذو الشكل المربع من الحجم المتوسط والذي يحوي 98 صفحة، بها قصيدة مستوحاة من عملي الفني الذي يقابلها تماما، ويحتوي الكتاب على 25 منحوتة و28 لوحة وتقطيعين من لوحتين، وصورتين فوتوغرافيتين، وتنصيب(installation)  واحد؛ هذا باختصار شديد مسلك هذا العمل المشترك الذي لا يعد الأول من نوعه، إذ هناك نماذج مشابهة لحسن نجمي والأشعري وعبد الله أزريقة…”.

 

وبخصوص السؤال الثاني المتصل بتعدد المواهب الذي يعد نعمة قد تحمل في طياتها نقمة، تساءل الكاتب المودني إذا ما كان الفنان يعاني من تعدد الأصوات الداخلية المطالبة بحقها في الوجود، وكيف يوفق بين  أصوات الأعمال غير المنتهية والتي تنتظر دورها؟ أجاب ازدم أنه بالفعل يبدو الجمع بين أجناس النحت والصباغة والتنصيب والفوتوغرافيا أمر غير يسير، “لكنني أجمع بينها بكل سلاسة ويسر”.

 

وكشف عن السر في ذلك قائلا: “النحت الذي أقوم به يعتمد تقنية التشكيل بمعني القولبة، أي المودلاج (modelage)، والخامة التي أشتغل  عليها ليست بالصلبة، إنه الطين كصلصال رملي اصطناعي، ويحتاج للحرق في درجات عالية من الحرارة تفوق ال 1100 درجة.. فلإنتاج 10 قطع منحوتة مثلا، يجب أولا قولبتها  وانتظار ما يقارب شهرا واحدا أو اثنان حتى تجف لإدخالها للفرن الذي يشتغل بالغاز. والحرق الأول يتطلب ما يقارب 14 ساعة، وانتظار يومين لفتحه، ثم حرق ثان إذا أضفت طلاءات لتزجيج  المنحوتات يتطلب 10 ساعات، فانتظار يومين إضافيين للاستمتاع بالنتيجة كتحف فنية. إذن الوقت طويل، ولملئ هذا الوقت الفارغ أشتغل على الصباغة أو اكتب … وبما أن حوالي نصف أعمالي الصباغية، أرسمها على حامل  الورق المعلوك  papier mache، وبما أنه يتطلب بدوره ما يزيد عن ثلاثة أشهر لتحضير فرز الورق الجيد لإعادة استعماله كمتلاشيات، ثم تقطيعه إربا إربا، ثم طبخه في الماء بعد ترقيده فيه لما يقارب الشهر الواحد أو أكثر، ثم طحنه وتشكيل ورق منه وإعطائه النسيج المرغوب ثم انتظار ما يقارب الشهرين لاستعمال الصباغة عليه… في حين أن الصباغة على القماش تتم مباشرة… هذه العمليات المرتبطة بالزمن والانتظار هي التي تجعلني أشتغل على أعمال عديدة، دون ملل وكأنني أرتاح في الانتقال من الصباغة على القماش إلى النحت إلى الصباغة على الورق المعلوك”.

 

وأضاف أن شغفه بالفن التشكيلي جعله يشيد محترفا بضواحي الدار البيضاء، يتفرغ فيه للإبداع، مضيفا أنه مذ كان تلميذا في السبعينات وهو يحاول أن ينحت ويرسم، وكان بوده أن يلتحق بمدرسة الفنون الجميلة بباريس، لكن شغبه كتلميذ جعل الإدارة تمتنع عن توقيع طلبه للحصول على منحة الدراسة بالخارج، وبعد سنوات من تخرجه من الجامعة، تعلم بشكل عصامي مما جاد به عليه بعض الفنانين الذين نشروا تقنياتهم في الفنون البصرية، الشيء الذي مكنه من الاطلاع على تقنيات الصباغة والخزف والنحت.

 

وجوابا عن سؤال حول ما إذا كانت العلاقة المادية للفنان بعمله تنتهي عند بيعه، قال متوجها إلى السائل : “أنت نفسك كنت ملكا لوالديك والآن أصبحت مستقلا بذاتك بعيدا عن اللذين أوجداك، والعمل التشكيلي كتحفة مقتناة لا يخرج عن هذه القاعدة، بل إنه في الفن المعاصر، بدأ العمل الفني كتحفة مادية وكهوية إبداعية، يفقد كل قيمته المادية.

 

وأكد أن الفن المعاصر أزاح العمل الفني في حد ذاته كمنجز مادي، لأن الأساس في هذا الفن المفاهيمي  المعاصر، هو الخطاب والسرد والصور والوثائق، كما تتحدث عن ذالك الباحثة الجمالية والسوسيولوجية الفرنسية ناتالي هاينك (Nahalie Heinick)، هناك إذن من التحف الفنية من تلقى مصيرها بمجرد أن تنجز، أو تقتنى من طرف جماع أو متذوق مثلها مثل الكتاب، لكنها تختلف عنه لأنها متفردة.

 

وبعد أن قرأت رئيسة “منتدى مبدعات بلا حدود”، كلمة الناقد الفني محمد اشويكة، التي تضمنها كاتالوغ  المعرض الفردي الذي أقامه عبد السلام ازدم من 25 نونبر 2019 إلى 16 يناير 2020، والتي تستعرض المنحوتات بأسلوب يجعلها تكاد تكون ناطقة، كما أن بها حركة موحية تتعلق بالرأس “لأنه اختار الجزء العلوي من الجسم الذي يحوي الرأس والكتفين والصدر لما لذلك من دلالة، وما تبقى من البدن لا يهمه لأن ما يشتغل عليه يختصر الإنسان، يشتغل على الصدر الذكوري والأنثوي لما يختزله هذا الصدر من أسرار وخبايا، ما دام هذا الصدر مرتبطا لدى المؤمنين بذلك البعد الروحاني والميتافيزيقي المشحون بالمجهول”.

 

وقد رافقت هذا السمر الفني، معزوفات وأغاني وحكايات قدمها الفنان المبدع متعدد المواهب عبد الإله خطابي، رسمت الابتسامة على شفاه الجمهور، خاصة وأنه كان يتحرك بعوده في المنصة، بل ونزل إلى أسفل وجلس على الدرج وهو يعزف، كما ألقى حكاية “الصرار والنملة” مبدعا في النهاية، جاعلا الصرار يمتثل لنصيحة النملة عندما قالت له ساخرة “إذا كنت تغني في الصيف فعليك أن ترقص في الشتاء”، وبذلك سيتغير حاله ويصبح ثريا، بعد أن بدأ بعرض رقصاته في الشارع العمومي.

 

ويعد عبد الإله خطابي فنانا حكواتيا وفكاهيا ومطربا وموسيقيا، علاوة على كونه سبق له أن أدى أدوارا في بعض المسلسلات التلفزيونية وبعض الأفلام، هذا فضلا عن كونه أستاذ مبرز في الترجمة.

 

وفي الختام، قام الفنان عبد السلام ازدم بتوقيع كتاب “أقوال منحوتة، تواطؤ فني”.