الوضوح

شاركها

أسئلة حول الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية.

أسئلة حول الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية.

 

 

فادي بنعدي – بروكسيل

 

 

عدة أسئلة تترمى حول الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية. كما أشرنا له سابقا، سيجيب عنه مستقبل هذه العلاقة وردود الفعل الإقليمية والعربية والدولية.

 

نحن امام اتفاقية بين دولتين لا يختلفان في العمق، وجهان لعملة واحدة، نظام ثيوقراطي استبدادي ذو دور في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من بلدان المنطقة العربية والبلدان الاسلامية كأفغانستان…

 

منطقنا في قراءة هذا الحدث من قناعتنا المبدئية والأخلاقية المتجلية في السلام والحرية والعيش الكريم والتآخي والتضامن ما بين الشعوب، وطبعا نبذ الحروب وكل ما يمس بالكرامة الإنسانية.

 

البيان السعودي الإيراني برعاية صينية ليوم 10/3/2023، حمل دلالات قوية على ما هو أبعد من إعلان إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016 بين طهران والرياض وكان شديد الوضوح في بنوده الأربعة الأولى التي توحي باتفاقية سلام بين دولتين، وربما ما هو أبعد من ذلك. لكن لا بد من التروي وعدم القفز إلى استنتاجات متسرعة.

 

أما البند الخامس، فهو أبعد من أن يكون نصاً اعتباطيا، هو شكل من أشكال تثبيت مرجعية جديدة للنزاعات في الشرق الأوسط وتداعياتها على البلدان والكيانات المحيطة به، تؤدي فيها الصين دور “صانع السلام” في المنطقة. وهذا ذا دلالة أساسية على انهيار التأثير الأوروبي، تراجع النفوذ الأميركي مهما تواجده وتعثر “اتفاقية ابرهام” المشؤومة.

 

ولا بد من الإشارة هنا إلى بعض المعطيات:

 

  • كشفت مصادر مطلعة على المفاوضات، عن أن التوصل للاتفاق تم برعاية من الرئيس الصيني شي جين بينغ. تولى شخصياً تمهيد الطريق لهذا الاتفاق، والدخول في تفاصيله أيضاً، منذ زيارته المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2022، ثم استقباله الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي منتصف فبراير 2023. وقد عُقِدت أكثر من جولة تفاوض، استكمل الجانبان فيها ما تم التوصل إليه في المفاوضات التي جرت بينهما في كل من العراق وعُمان. ولم يكن محسوماً توصل الجانبين إلى الاتفاق في الجولة الأخيرة (6 – 10 مارس 2023)، لكن نجح ممثل الحزب الشيوعي الصيني في تذليل كل العقبات بين الوفدين، ثم حصل كل منهما على موافقة قيادته على إعلان التفاهم يوم 10 مارس 2023.

 

  • كان لافتاً وجود وفد استخباراتي إيراني، إلى جانب وفد استخباراتي سعودي، في العاصمة الصينية بكين، لمدة خمسة أيام، من دون أن تتنبّه استخبارات الاحتلال الصهيوني لذلك، رغم أنها تتعامل مع إيران كساحة عمل أولى لها في العالم وإلى أي حد تتبعت الاستخبارات الأمريكية هذا الموضوع.

 

  • شدّد الوفد السعودي، أثناء المباحثات، على أن بلاده متمسكة بالمبادرة العربية للسلام مع “إسرائيل”، وأنها لن تذهب إلى التطبيع مع تل أبيب قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. ومع العلم ان إيران تدعم حاليا المقاومة الفلسطينية، هذه الاخيرة   تقاوم من أجل قيام دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس.

 

إضافة لأهمية البنود السرية الملحقة بالاتفاقية، والتي تتعهّد كل من السعودية وإيران بعدم القيام بأي نشاط يؤدي إلى زعزعة استقرار أي منهما، على المستويات الأمنية أو العسكرية أو الإعلامية. بعدم تمويل المنظمات التي تصنّفها إرهابية، بذل كافة الجهود الممكنة لحل النزاعات في الإقليم وعلى رأسها النزاع في اليمن على أساس أن ما تم التوصل إليه بين الرياض وصنعاء يمكن البناء عليه لوضع حد للحرب في اليمن. مع العلم أن التفاهمات بين الطرفين اجهضت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والإمارات العربية المتحدة تحويلها إلى اتفاقية شاملة لوقف الحرب.

 

ما نشاهده اليوم في تقديرنا استفاقة ديبلوماسية جديدة في المنطقة ودخولها في ديناميكية لم تعرفها المنطقة منذ الحرب العراقية الإيرانية.

 

  • اعتبرها الاعلام الأمريكي خسارة كبيرة لمصالح واشنطن كما اعتبرها الاعلام الصهيوني ضربة قاسية لجهود نتنياهو لتوسيع اتفاقات أبراهام، و”بصقة في وجه إسرائيل” يعزلها ويرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، وما وراءه، وهذه الردود تعبر عن قلق عميق ومخاوف من هذا التقارب الذي يبدّد الحلم الصهيوني بإقامة “حلف بغداد” جديد ضدّ إيران.

 

  • اعتبرها وزير الخارجية الإماراتي خطوة هامة نحو الاستقرار والازدهار ودور بناء في نشر السلام والاستقرار والأمن المستدام في المنطقة. ورحبت وزارة الخارجية السورية بالاتفاق واعتبرته خطوة مهمة ستقود إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وإلى التعاون الذي سينعكس إيجابياً على المصالح المشتركة لشعبي البلدين خاصةً ولشعوب المنطقة عامة. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق وأكد أنه يمكن أن يسهم في استقرار المنطقة. وثمّنت رئاسة الجمهورية المصرية عبر المتحدث الرسمي باسمها، أحمد فهمي، التوجه الذي انتهجته المملكة العربية السعودية في هذا الصدد. تبادل التهاني بين السعودية وإيران والامارات المتحدة وفي هذا المنحى وجه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز رسالة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ورحب هذا الاخير باتفاق البلدين الشقيقين، ودعا الرئيس الإيراني لزيارة رسمية إلى الرياض كما رحب بدوره الرئيس الإيراني بدعوة الملك سلمان، وأكد استعداد إيران لتعزيز التعاون بين البلدين.

 

من نتائجها المباشرة والغير المباشرة

 

  • تتوصل كل من اليمن والسعودية إلى اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين ويشمل الاتفاق 880 أسيراً من الطرفين، من بينهم جنود سعوديون وسودانيون، وقيادات عسكرية. تصريح حاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم إنّ سياسة بلاده المبدئية قائمة على عدم السماح لدولة ثالثة بإثارة الفرقة أو استخدام جغرافيا الإمارات ضد إيران. كما تفيد المصادر أن العمل جار على إعادة افتتاح البوابات الدبلوماسية الرسمية بين سوريا والسعودية، وأن هذه الاخيرة ستستأنف العمل في قنصليتها بالعاصمة السورية دمشق بعد عيد الفطر المقبل، وسيسبقها زيارة يقوم بها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، ليلتقي خلالها المسؤولين السوريين، على رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد. وتمت مباحثات كذلك ما بين رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد والرئيس السوري بشار الأسد لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها لمصلحة البلدين، كما تم الإعلان على إعادة فتح السفارة الإيرانية في المنامة عاصمة البحرين، في أسرع وقت ممكن، حتى تتمكن دول المنطقة من توحيد آرائها من خلال تقوية العلاقات والتحرك بقوة أكبر في القضايا الإقليمية.

 

 

  • الاتفاق أفشل مخططات الامبريالية والصهيونية في عزل المقاومة الفلسطينية والعربية عن محيطها الطبيعي وعمقها العربي والإسلامي.

 

ما يمكن استنتاجه من هذه التحركات الديبلوماسية والاتفاقات وردود الأفعال إقليميا وعالميا، فعلى المستوى الدولي، كل التحركات الديبلوماسية في المنطقة والاتفاقات الاقتصادية و المصرفية والسياسية الحاصلة بين الصين وروسية وتركيا وإيران والسعودية وسوريا وغيرها من بلدان المنطقة و كل التصريحات و المواقف المعلنة تأكد بجدية على انها تحمل في طياتها تغيير جدري على مستوى العلاقات الجيو-الاستراتيجية ليس في المنطقة فحسب، هذا المنحى الجديد فاجأ الكثير منا و يضعنا امام تحديات جديدة، لذى يجب علينا تحيين أدائنا وتطويره والإلهام من هذا التحول النوعي في المنطقة للقدم بالحركة التحررية العربية و اليسارية إلى مواقع افضل لأن الامبريالية و الصهيونية و حلفائهم في المنطقة لن يقفوا مكتوفي الأيدي.

 

على المستوى العربي، من واجبنا تثمين هذا الاتفاق لتجاوبه مع بعض جوانب طموحات الشعوب العربية، بدون إغفال معطى أساسي ان شعوب منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية في تصعيد نضالي حقوقي اجتماعي وسياسي، تواقة للتحرير الشامل والديمقراطية الحقيقية ذات السيادة الشعبية على خيراتها وتوزيعها العادل لثرواتها.

 

هذه الاستنتاجات وباقي المعطيات سالفة الذكر لا توحي بان الاتفاق ثمرة لوعي الأنظمة بالمصلح الوطنية، وغير كافي لإنهاء النفوذ الامبريالي في المنطقة العربية وقطع الطريق على الكيان الصهيوني للتمدد في الجسم العربي وتفتيته.

هذا الاتفاق وباقي التحركات الديبلوماسية وما يجري في القارة الافريقية يضعنا امام تحديات إيجاد نظام عالمي جديد عادل.