الوضوح

شاركها

خارج الليل مقابلة مع المخرج الإيطالي ماركو بيلوتشيو ( Marco Belleocchio )

خارج الليل

مقابلة مع المخرج الإيطالي ماركو بيلوتشيو ( Marco Belleocchio )

 

ترجمة عبد الكريم وشاشا/المغرب

 

“ماركو بيلوتشيو حاصل على السعفة الذهبية الفخرية بمهرجان كان السينمائي على مجمل أعماله سنة 2021”

 

في سلسلة من ستة حلقات، وبنفس شكسبيري، يعود المخرج الإيطالي إلى مأساة وطنية وشمت ذاكرة إيطاليا: عملية اختطاف وقتل ألدو مور (Aldo Moro) زعيم حزب الديمقراطية المسيحية نهاية سنوات السبعينات (وبالضبط يوم 16 مارس / آذار 1978 ) أي في قلب سنوات الرصاص.

 

في سلسلة Esterno Notte من ستة حلقات، مدة الحلقة 52 دقيقة، يقدم المخرج الإيطالي الكبير ماركو بيلوتشيو البالغ من العمر 83 سنة درسا فنيا وسياسيا؛ وطبقا للعنوان(= خارج الليل : النظرة الداخلية الخانقة للضحية التي تواجه جلادها ) فهو يروي من الداخل الهجوم الذي صدم إيطاليا، وكيف أنه في ربيع عام 1978، في قلب ما يسمى بسنوات الرصاص، قامت فصائل مسلحة تابعة للألوية الحمراء، وهي جماعة يسارية متطرفة إرهابية باختطاف ثم بقتل ألدو مورو رئيس حزب الديمقراطية المسيحية ومهندس التسوية والتوافق التاريخي مع الحزب الشيوعي .

 

السلسلة تحكي هذا الحدث بوجهات نظر وزوايا مختلفة ونشاهد المأساة بعيون: الألوية الحمراء، عائلة ألدو مور خاصة زوجته، وزير الداخلية، وبابا الفاتيكان… فمن خلال فريق عمل متميز، يذكّرنا المخرج بأن إيطاليا هي بالفعل الوطن الآخر للفن السينمائي..

 

 

 

 

قامت مجلة لوبسرفاتور (L’OBS) في عددها الأخير – (العدد 3047 – 2 مارس 2023) – بمقابلة المخرج ماركو بيلوتشيو بهذا الحوار:

 

سؤال: عشرون سنة مرت عندما قمتم بإخراج Buongiorno notte (مساء الخير) الفيلم الذي يحكي عن شاب ينتمي إلى منظمة إرهابية متورط في عملية خطف ألدو مورو. لماذا العودة الآن إلى هذه القضية ؟

 

اندهشت كثيرا من الاحتفالات الكبيرة حول الذكرى 40 لمقتل ألدو مورو ؛ إصدار كتب جديدة، تحقيقات صحفية غير مسبوقة، فيلم…كل هذا أثار اهتمامي من جديد. ثم حصلت على صور غير معروفة لحياته الخاصة: صوره وهو مع عائلته، وهو على الشاطئ قرب روما، ثم نراه وهو بالبدلة وربطة العنق مع أحفاده تحت مظلة شمسية. أريد أن أحكي النسخة الحميمية للرواية الرسمية. وأيضا العلاقة الخاصة التي كانت تربطه بتلميذه السابق المفضل (Francesco Cossiga) والذي أصبح وزير الداخلية سنة 1976، وأيضا علاقته مع البابا بول السادس أحد أكبر أصدقائه.

 

سؤال: لماذا اخترتم شكل سلسلة ؟

 

كان علينا كشف هذه الشخصيات والغوص بداخلها. وسرد هذه المادة التاريخية الخاصة بتفصيل. والوقوف مليا عند كل شخصية. عملية التقطيع التقني على حلقات، وهنا ستة حلقات – في نظري ليست بطويلة – عملية ومفيدة في هذا الصدد. في نهاية الأمر الكاتب هو أيضا يواجه نفس المسألة: هل عليه أن يكتب مجموعة قصصية أم رواية؟

 

سؤال: سلسلتكم هل أعادت فتح جرح إيطالي أم أن هذا الجرح بقي مفتوحا ؟

 

هذا الجرح كان دائما مفتوحا، لكن لا أحد يلاحظه. إن صدمة الاختطاف ثم موت الدو مورو أثّر لوقت طويل على السياسة والمجتمع الإيطالي.
وانتهى أخيرا في النسيان، قبل تذكره على فترات منتظمة. إنه مثل جرح لم يندمل في جسد إنسان. وإذا كنت قد عدت إليه بهذه الطريقة، فلأن الأمر يعنيني شخصيا.

 

سؤال: وأنتم تستحضرون هذه الفترة من التاريخ، يبدو كأنكم تتوجهون إلى الشباب وإلى الجمهور الأجنبي

 

يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كل الذين لم يستطيعوا أن يتخيلوا كيف كانت حالة البلد في تلك المرحلة، وكيف كان غليان المجتمع المطبوع بقوة بالسياسة. ففي نهاية سنوات السبعينات كان الإيمان بإمكانية تغيير العالم توجد في قلب الساحة الاجتماعية؛ اليوم، الشباب لا يدركون هذه الحقيقة.

 

سؤال: في تلك الفترة، كيف عشتم هذه المأساة؟

 

لا زلت أذكر أن الذي زلزلني وحيّرني كثيرا هو، كيف لكمشة صغيرة من الارهابيين استطاعت أن تقتل أفرادا من الشرطة وقامت باختطاف شخصية سياسية وازنة يمكن أن يكون هو الرئيس المقبل للجمهورية.

 

طيلة 55 يوما من اختطاف ألدو مورو، كنا نعتقد بأنه سيفرج عنه: الكنيسة والمجتمع السياسي تكتلا في جبهة واحدة لمساندته. ثم هناك جانب عبثي في المسألة: لماذا يقتلون رجلا مسنا ؟ كيف السبيل إلى فهم المنطق الإرهابي الذي يجبرهم على التصرف على هذا النحو ؟

 

تلى ذلك، أزمة عميقة قوضت المجتمع الإيطالي، فالتنظيمات والتعبيرات السياسية الكبيرة مثل الحزب الشيوعي، والحزب الاشتراكي، والديمقراطي المسيحي اختفت من الساحة السياسية الإيطالية؛ وبكلمة واحدة: لم تعد الأمور كما كانت من قبل.

 

سؤال: هذه السلسلة، هل هي حداد على آخر شخصية سياسية مسؤولة تجرأت على أن تقول أمام خصومها: من الأفضل أن نخطأ سويا

 

الزمن وهو يمر وقامة ألدو مورو تتمدد. فبعد موته، أدركنا عظمة مشروعه السياسي، إنه توافق تاريخي، يسمح للحزب الشيوعي أن ينخرط في تناوب سياسي كما هو الشأن في الديمقراطيات الأوروبية، ويمكن أن يصل يوما إلى السلطة.

 

سؤال: تنحدر شخصيات الأولوية الحمراء في هذه السلسلة، والتي تدافع عن البروليتاريا غالبا من البورجوازية .

 

هناك شخصيات تنتمي إلى عائلات متواضعة وطلبة من الطبقة البورجوازية لم تطأ أرجلهم أبدا المعامل. علاوة على ذلك، إن الألوية تقوم بعمليات الاختطاف والمطالبة بالفدية كمصدر للتمويل. يزعمون أن ما يقومون به هو باسم البروليتاريا، حتى أن أحدهم صرح في جلسة صاخبة من المحاكمة بأن هذه الجريمة هي أسمى مهمة قامت بها الطبقة العاملة..! إن هذا جعل جزءا كبيرا من الشعب ليس مع الألوية ولا مع الدولة.

 

سؤال: عنوان السلسلة خارج الليل يشير إلى الليل السياسي الذي دخلته بلادكم هل مازال هذا الليل متواصلا

 

نعم لازال ساريا. أقول هذا بدون يأس أنا الذي ناضلت من أجل تغيير جذري للمجتمع، ولكن أقولها بنوع من الخيبة والمرارة. الديمقراطية اليوم غير مستقرة، موجات قوية من الشعبوية تكتسح وتضرب بقوة. وسائل الإعلام متحكمة. والأحزاب مثل الحزب الشيوعي الفرنسي اختفت من الساحة السياسية. الانتقال السريع للكتلة الانتخابية صارخ، فقط بالشعارات أو الوعود يمكن أن تظهر أو تختفي شخصيات أو تيارات سياسية.. هذا كله علامات على أن الأفكار السياسية اليوم باهتة وضبابية وغير حقيقية وملموسة…..