المثقف المغربي وأزمة الإغتراب
عبد الإله شفيشو – فاس
يقول “عبد الرحمان منيف” في كتابه “بين الثقافة والسياسة”:( صورة المثقف اليوم مرتبكة، لأن صورة المهمة ذاتها التي يتصدى لها مرتبكة، أي غير محددة، وبالتالي غير واضحة، وهذا ما يثير الشكوك لديه ولدى الآخرين، وبالتالي يخلق الالتباس حول دوره، وحول المهمات التي يمكن أن يقوم بها).
مفهوم الاغتراب: الشخص المغترب هو ذلك الشخص الذي يكون لديه شعور دائم نسبيا بالغربة عن المؤسسات و عن القيم السائدة فالإحساس بالغربة لا يكون بالضرورة علامة مرضية فخيال المغترب قد يستمد قوة كبرى من الإحساس بالغربة وهو يعني كذلك نوعا من التحرر و قد يضيف نوعا من التجديد و الحيوية على نظرية الحياة و يثير خياله و يحرك روحه الخلاقة ، فالمثقف على هذا النحو يعني و جود مستوى راقي من الوعي، النقاء، المثالية والأمانة فهو يبرر وضعه على أنه رافض لمجتمعه و ناقد بسبب وجود ما هو جدير بالنقد، فحيثما يكثر الحديث عن اغتراب المثقف فإنه لا ينظر أو يفكر في اغترابه الذاتي و لكن ينظر إلى اغترابه عن الآخرين وبصفة خاصة عن المجتمع.
والآن، نعود لموضوعنا فنسأل كيف حدث هذا الاغتراب والإحساس بالهزيمة واليأس عند المثقف المغربي؟ ولماذا حدث؟، يعود ذلك لأسباب يطول شرحها وسنقتصر هنا على الموضوع الرئيسي وباقتضاب شديد، فمظاهر اغتراب المثقف المغربي قد تأخذ أشكال مختلفة تكون في بعض الأحيان متداخلة ومن بينها:
أ- للمثقف أسلوب حياة ونمط العمل واللغة والقدرات الاهتمامات والميول التي تضعه بمعزل عن الآخرين وتجعله مغتربا عنهم،
ب- للمثقف الشك الدائم أو الرفض التام للقيم الثقافية أو فلسفات الحياة السائدة،
ت- للمثقف اغتراب عن النسق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد، وقد يصير منظرا أو مدافعا عن قضية ولكنه قد يتقهقر إلى شكل من أشكال اللامبالاة السياسية،
ث- للمثقف اغتراب عن الثقافة السائدة والتي كانت دائما في حالة تعارض مع الواقع الاجتماعي،
العامل الأساسي المسؤول عن الأزمة الحادة للمثقف المغربي تتمثل في اغترابه وهذه حقيقة يجب أن تكون إيجابية حتى لا يصير الاغتراب مبررا لتنصل المثقف من مسؤوليته المجتمعية وهنالك أمثلة توضح الى أبعد حد أزمة المثقف ويكشف عن أعماقها فالثقافة أخذت تصبح بالنسبة للمثقف سلعة يبيعها وليست تعبيرا عن نفسه عن موفق انسان يود أن يساهم في تغيير العالم فهو يدخل في معركة خاسرة منذ البداية ، و لذلك فإن تصرف المثقف المغربي المغترب على نحو معين إيجابي أو سلبي يرجع إلى وضع التوازن بين درجة قوته الذاتية و قوة الوضع أو الشيء المغترب عنه وعلى ذلك فان تصرف المثقف المغربي ينطلق من خيارات ثلاثة يتمثل: (أولها) في الانسحاب من الواقع الذي يسبب اغترابه وسيتم الانسحاب بعدم المواجهة أو الهروب واللامبالاة واليأس والاقتصاص من الذات، (ثانيها) يتمثل في الرضوخ للنظام القائم والتعاون معه قهرا الأمر الذي يفسر نشوء الأقنعة وكثيرا ما يرافق الرضوخ نزعة التعليل والتبرير، (ثالثها) تتمثل في التمرد الفردي من أجل تغيير الواقع وتجاوز حالة الاغتراب، ومع ذلك فإن الاغتراب الكامل للمثقفين لا يبدو أمرا مرغوبا فيه إلا أن درجة معينة من منه تمثل القدر والنصيب الدائم للمثقف.
وعليه، المثقف المغربي لا يمكنه أن يغمض العينين على ما يصرخ من حوله وقد يكون هو ما يحسها بطريقة متفردة عندما يختلي بنفسه في لحظات الاسترجاع و الربط بينها فهو من يتلقى الأزمة مجسدة في الكلمات واللغة فيكفي أن يتذكر أن الوطن لم ينتج سوى تغييب الأصوات الصادقة، و بؤس العلاقات، وانكسار النفوس ليدرك في الأخير أن هذه الأزمة بالرغم من وعيه بمصادرها قد استقرت وكأنها قدر لا يقوى أحد على تغييره ، هكذا يجد المثقف المغربي نفسه أمام أسئلة يتداخل فيها الآني بالموروث، والمظهري بالجوهري، والقومي بالإنساني ويظل الرهان لديه هو تحرير الإنسان من كل ما يتهدد وجوده و كيانه وحقه المشروع في التعبير و التغيير، ولذا ليس من الضروري فقط أن نيسر أو نكتفي بتهيئة الجمهور لتقبل الثقافة بل من الضروري أيضا إعادة العلاقة المباشرة بين الجمهور و المثقف المغربي ذلك المثقف الذي يحترم قلمه هو في طليعة من يعترضون لانعكاسات الأزمة ماديا ومعنويا فهو لا يحتمل فقط أعباء الكتابة بل غالبا ما يضيف إليها عبئ المحاصرة و أحيانا الاعتقال.