الوضوح

شاركها

 انتفاضة الجِيَـاع نَّـارْ تَحْتْ التْبَنْ (حركة 20 فبرير)

 انتفاضة الجِيَـاع نَّـارْ تَحْتْ التْبَنْ

(حركة 20 فبرير)

 

عبد الإله شفيشو / فاس

 

 

بحلول 20 فبراير 2023، تكون قد مضت إثنى عشر سنة على هبّة انتفاضة 20 فبراير 2011، وهي مناسبة للتأكيد أن حركة 20 فبراير لم تكن أبدا مجرد سحابة صيف، وبأن الأمل راسخ في استعادة الحركة لزخمها الشعبي ولتوهجها المنير، خصوصا مع السخط الشعبي العارم لسياسة النظام التي يتولى تصريفها اليوم حكومة تمرير الأزمات، و ان من يبحثون عن نموذج تنموي بديل عليهم الرجوع إلى بيانات حركة 20 فبراير فالحل هو الديمقراطية، ولا شيء غير الديمقراطية.

 

فبعد أزيد من عقد من الأعوام لا تبدو الحركة اليوم مثل حدث تاريخي عابر و بعيد مرَّ وانطفأ، فالأسباب التي انبثقت من صلبها الحركة لا زالت شاخصة من غير جواب، خصوصا مع فقدان الأحزاب السياسية لمصداقيتها وضعف خطابها، وهو ما يؤشر الآن إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي وما يحيل إلى عودة سنوات الرصاص في عهد الملك الراحل “الحسن الثاني”، خاصة لما سيضاف ضحايا حركة 20 فبراير إلى ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سنوات الرصاص في مشهد مدان عنوانه: (غياب الحقيقة والإفلات من العقاب).

 

عموما يمكن تقسيم مطالب حركة 20 فبراير إلى ثلاثة مستويات متداخلة فيما بينها هي:

 

  • مطلب سياسي يدعو إلى إعادة صياغة وثيقة دستورية تنظم العلاقة بين السلطة الحاكمة وعموم المواطنين، وهي وثيقة تفترض هيئة منتخبة مختصة تحرص على صوغها تنقل نظام الحكم إلى ملكية برلمانية.
  • مطلب اجتماعي متجلي في إقامة عدالة اجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية بين الطبقات الاجتماعية تسمح لهم على نحو متساوي بالولوج في الخدمات الاجتماعية وضامن شغل يحقق الكرامة الإنسانية،
  • مطلب اقتصادي يركز على عدم الجمع بني السلطة والثروة ورفض كل أشكال المحسوبية والزبونية ومحاربة الفساد واقتصاد الريع،

 

إن الصراع السياسي الذي طبع التاريخ المغربي المعاص، هو صراع حول تحديد صلاحيات المؤسسة الملكية التي ينظر إليها بكونها تحتكر الحقل السياسي وتهيمن عليه، وهذا المطلب لربما كان نقطة تقاطع بين الأجيال التي لم تكن لتختلف كثريا حولها، سواء تعلق الأمر بالجيل الذي تلا مرحلة الاستقلال أو الجيل الحالي. لكن السؤال الذي يطرح هو إلى أي حد استطاع شباب حركة 20 فبراير أن يحدث خلخلة في المشهد السياسي المغربي؟ وما حدود الاستجابة لمطالبه؟

 

لقد تجلى مطلب الانتقال الديمقراطي على نحو أساسي في مطالب حركة 20 فبراير بالتوجه مباشرة إلى مطلب الملكية البرلمانية، كما أكد العديد من الباحثين المغاربة والأجانب أن الوثيقة الدستوريةَ الحالية لم ترق إلى المطالب التي كان شباب الحركة يرفعونها ولو في حدودها الدنيا، إذ ظلت صلاحيات الملك غير محددة وموزعة على أكرث من بند دستوري، لهذا يرى شباب الحركة أن الإصلاحات الدستورية التي تمثل مدخلا لكل إصلاح ممكن لم يتم تحققها في الوثيقة الدستورية، وكل ذلك  لم يمكن من صياغة الوثيقة الدستورية المراجعة من طرف لجنة مستقلة أو منتخبة ممثلة لكل الأطياف.

 

هذه العوامل مجتمعة، إلى جانب عوامل أخرى، ساهمت في عودة الاحتجاج إلى الشارع وفي جعل الأحزاب السياسية في وضعية حرجة، لأن الجيل الجديد من الشباب قد تجاوزها سواء على مستوى التأطير والتأثير أو على مستوى أشكال العمل والتواصل، إضافة إلى ذلك، أصبح هناك وعي جيلي مرتبط بالحياة السياسية المغربية المتعلق بمعرفة مراكز القرار السياسي الفعلي.

 

كل المعطيات تذهب في اتجاه تأكيد أن الشباب المغربي فقد الثقة في الانتماء إلى هيئات أو أحزاب سياسية ، و يتم تبرير هذا بعدم جدوى هذه الاطارات، لأنها غير فعالة في الحياة السياسية خاصة لما بدت متخلفة عن الشارع وعن مطالبه إبان حركة 20 فبراير.  ففي واقع اجتماعي وسياسي مأزوم كان لابد من ظهور هذه الأزمة  أيضا على مستوى الخطاب السياسي. لهذا نجد أن من بين ما حاولت الحركة فعله هو تجديد أساليب الخطاب الذي تمثّل في إنتاج لغة تَخاطب متمايزة ومختلفة عن اللغة التي تتداولها النخب السياسية، وذلك من خلال التركيز على اللغة العامية والمفردات  التي يفهمها الجميع والابتعاد عن الغموض والشعبوية، و الهدف من ذلك  هو التميز من لغة التخاطب الرسمية التي تبدو لغة مأزومة لا تعكس معاناة المواطن المغربي واهتماماته.

 

يمكن عد الحركة الاحتجاجية التي عرفها شمال المغرب، وخاصة منطقة الريف وما بات يعرف بـ “حراك الريف” لحظة مجددة في الفعل الاحتجاجي بالمغرب لما تراكم منذ 20 فبراير 2011 ، فعلى الرغم من الطابع الاجتماعي والاقتصادي للمطالب المتجلي في رفع التهميش و إقامة البنى التحتية و محاسبة المفسدين، فإنه في الوقت نفسه تعبير عن خطاب سياسي واضح، هو أن حراك الريف انعكاس لوعي جيلي يعيد إحياء الذاكرة السياسية الجماعية للسنوات الأولى من الاحتلال الاسباني للمنطقة والمقاومة المسلحة التي قُوبل بها من طرف الساكنة المحلية تحت قيادة القائد البطل “عبد الكريم الخطابي. إنها رموز ثقافية وسياسية في الآن نفسه  تحيل على قوة المقاومة من جهة وعلى مقاومة الشباب للتهميش الذي لحق بالمنطقة منذ الانتفاضة التي حدثت سنة 1958، والتي ردت عليها الدولة بالعنف والقوة من جهة أخرى.