الوضوح

شاركها

الفايسبوك والاستلاب* التكنولوجي Julien Azam

الفايسبوك والاستلاب* التكنولوجي
Julien Azam

 

ترجمة وقراءة : عبد الكريم وشاشا

 

من بين أكبر الشبكات الاجتماعية، تعتبر منصة “الفايسبوك” ضرورية، لا غنى عنها للتواصل الاجتماعي للأجيال الصاعدة. لكن الفايسبوك يفاقم من العزلة والاستلاب في الحياة اليومية، في كتاب حديث له يحلل (Julien Azam) هذه الحياة المصطنعة عبر الانترنيت، إن هذا النص تحديث للنقد الجذري للحياة اليومية الذي تخلى عنه الوضعيون المناطقة ** لملاحظة ومتابعة أشكال جديدة من الاغتراب في المجتمع الحديث.
” الناس يشبهون الزمن الذي يعيشون فيه أكثر مما يشبهون آباءهم…” ويمثل الفايسبوك انعكاسا لحداثة السوق، لذلك فإن نقد شبكات التواصل الاجتماعي يفترض تشكيكا وتحديا للنظام القائم.

الضبط الاجتماعي على الأنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي.
يلاحظ (Julien Azam) : ” اليوم، في المجتمعات المتقدمة، يرتبط الفايسبوك في المخيال الجماعي *** بالحرية : حرية التواصل، ونقل المعلومات والأخبار، وتنظيم وتوضيب وجود العضو، وحرية اكتشافه لأصدقائه تحت عنوان صفحة أو حساب جديد (profil) والحرية كذلك في التعريف بنفسه وتقديمها …” لكن مفهوم الحرية هذا يبدو نسبيا ما دام يجب على الأعضاء أن يوقعوا على ميثاق. وتظل شركة الفايسبوك هي المالكة وصاحبة الحقوق على كل البيانات والمعطيات المنشورة على موقعها. ومع ذلك ومع كل العيوب والنواقص فقد أصبحت هذه الشبكة ضرورية في الحياة اليومية؛ “فلا يهم إذا كانت هذه المنصة تفاقم من النرجسية والمراقبة والاعتناء الذاتي وامتلاك الصداقات، فإن إستراتيجيتها التسويقية جعلت منها شبكة رائجة وشعبية إلى حدود الإدمان يستحيل الاستغناء عنها بالنسبة لمستعمليها..” عندها تبدو الحرية كشكل من أشكال التبعية وحتى الاستلاب.
فمن بين اليافعين والشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة حلّ الإنترنيت محل التلفزيون في الوقت الثالث المخصص للتزجية والترفيه، فلم يعد الفايسبوك مجرد نشاط عابر، بل أصبح واقعة اجتماعية حقيقية. في عام 2004 أنشأ مارك زوكربيرغ (Mark Zuckerberg‎‏) موقع فايسبوك مستهدفا طلاب جامعة هارفارد؛ وفي عام 2007 قرر فتح الموقع في وجه كل مستعملي الأنترنيت. يمكّنك من رفع ملف التعريف الخاص بك على الانترنيت (المستوى الدراسي، مجالات الاهتمام، الحالة الاجتماعية…) ومشاركة المنشورات والمستندات مع باقي الأعضاء. ويمكن أن تتشكل مجموعات حول اهتمام معين وبهذا يظهر الفايسبوك كموقع لتجمعات ذات الاهتمام المشترك. إن هذه الظاهرة لا تتعلق بعدد محدود من السكان، بل بأكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم.

لقد أصبحت بالفعل سياسة حماية البيانات والمعطيات الشخصية موضع تساؤل واستنكار من قبل منظمات وجمعيات حماية المستهلك؛ فالفايسبوك يقوم بتجميع هذه المعطيات الشخصية لمستعمليه وإعادة بيعها للمعلنين والمستشهرين الذين يقومون بعد ذلك باستهدافهم بإعلاناتهم ودعاياتهم المتواترة، وبذلك أضحت الحياة الشخصية سلعة تباع وتشترى بفعل استراتيجيات التسويق والماركوتينغ لوكالات الإعلان والإشهار، فحاليا الإعلانات التجارية والوصلات الإشهارية هي جزء من المشاهد الاعتيادية، يومية ومألوفة، يتم قبولها على نطاق واسع، ومبررة من خلال الدخول المجاني المفترض للموقع. وخاصة أن الفايسبوك أصبح عنصرا لا غنى عنه في الحياة اليومية ويقوم بتقييم لاستعراض الذات. ولقد بلغ هذا الموقع الاجتماعي إلى درجة أنه أصبح عائليا حميميا يقوم بتدبير علاقات الحب والصداقة وكل تفاصيل الحياة على الانترنيت. فالشركات والمقاولات تتمكن من معرفة كل شيء عن مستعملي الموقع وتقديم السلع والخدمات التي تتوافق مع شخصياتهم وأمزجتهم وأهوائهم. فالعلامات التجارية أيضا لها صفحاتها على الفايسبوك، يمكن أن تصبح “معجبا” بشركة ما أو ماركة. فالمجتمع الحديث يقدر جيدا الولع والشغف (le fétichisme****) ليس للسلعة فحسب بل للعلامة والماركة التجارية والشركة المنتجة، حتى أن وفاة ستيف جوبز (Steve Jobs) رئيس الشركة العالمية آبل (Apple Inc.‎) الأمريكية المتعددة الجنسيات أثارت دموع وتعاطف مستخدمي الانترنيت والسياسيين.

ينخرط الفايسبوك في حملة حقيقية على المستوى الاقتصادي، فهذه الشركة التي لها أسهم في سوق البورصة تقوم حاليا بشراء مواقع صاعدة مماثلة للقضاء على المنافسة، وحده Google يبدو أنه المنافس الوحيد. يمكن للفايسبوك بيع المعطيات والبيانات الشخصية والخصوصية، لكن هذا الموقع ليس فقط مقاولة تجارية عادية، يجب أن ندرك جيدا بأن الأمر يتعلق بتغيير المعايير والقواعد الاجتماعية بالقدر نفسه الذي يتعلق بتغيير الإنسان في علاقته بالعالم وبالآخرين؛ فداخل الفضاء الأزرق يجب حث الأفراد وتشجيعهم على مشاركة معلوماتهم الشخصية وكشف واستعراض حياتهم الخاصة. فالفايسبوك يفرض عالما سلسا و”معقّما” من خلال رقابة شرسة، واللغة يجب أن تكون متحضرة ومتأدبة وصقيلة، حتى أن اللوحة الشهيرة ” أصل العالم “وهي لوحة لامرأة شبه عارية رسمها غوستاف كوربيه (Gustave Courbet) عام 1866 تعرضت للرقابة ثم الحذف لأنها صنفت كمادة إباحية، على الرغم من أن هذه اللوحة معروضة في المتاحف ومنسوخة على نطاق واسع في الكتب الفنية، بعد ذلك يحاول الفايسبوك أن يتثبت واجهته كواجهة أساسية ويفرض أن يكون الولوج والإبحار في الويب بالكامل من بوابته لذلك يقوم بتوسيع قبضته حتى أنه يحتل ويقضم يوما بعد يوم مساحة كبيرة في حياة مستخدميه بخدماته ووظيفته الاجتماعية دون تساؤل وبإذعان كبير. والمدرسة الحديثة هي أيضا تفرض نقل المعرفة عبر الشبكات الاجتماعية.

اصطناع الحياة
يلاحظ (Julien Azam) بأن الفايسبوك يعبر عن علاقة معينة بالعالم: علينا أن نترحم ونتأسف على إمكانية العيش وتجربة الأشياء بشكل مباشر بدون وساطة بدون شاشة وبدون تمثيل أو تدخل فني للتكنولوجيا. يبدو أن هذا النقد الذي يقدمه هذا الكتاب للحياة الاصطناعية والمزيفة وانهيار العلاقات الإنسانية هو الأقوى ويترك أثرا في مواجهة وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمستخدمي الفايسبوك رغم كثرة أصدقائهم فهم لا يلتقون بهم، فهو يحافظ على الفصل بين الأفراد ويعزلهم ويفضل العلاقات السطحية، فالشبكة الاجتماعية هي انعكاس للمجتمع الحديث، وهذا يدل قبل كل شيء، حسب المؤلف، على الصعوبة اليوم في أن نلتقي وأن نتواجد معا وأن نكتفي بعقد لقاءات وتجمعات بعدية افتراضية تقودها الصدف والأهواء. حتى مفهوم الصداقة أصبح كميا، عدديا، أكثر منه نوعيا. لم يعد الأمر يتعلق بنسج رابطة حميمية مع عدد من الناس، بل على العكس من ذلك، عليك الآن أن تراكم أكبر عدد من الأصدقاء حتى لو أنك لم ولن تقابلهم أبدا. في الغالب يبحث الأعضاء عن معارف وأصدقاء قدامى على الفايسبوك لملء فراغ عاطفي؛ ففي مجتمعاتنا الحديث يتناقص يوما بعد يوم عدد المقربين والأصدقاء الحقيقيين. لذلك فشبكات التواصل الاجتماعي تتطور وتتوسع على أرضية ازدياد وتفاقم الشعور بالوحدة والغربة.
يعتقد الفيلسوف والناقد الألماني غونثر أندرس (Günther Anders) أن التكنولوجيا تفرض علينا أساليب حياتنا وأنشطتنا فهي باختصار شديد “تحددنا”؛ لذلك لا يوجد تعاطي واستخدام “جيد” للفايسبوك، مادامت هذه الأداة تحدد طريقة تفكيرنا وتصرفنا وعيشنا.

إن انخراط وانضمام مستعملي الفايسبوك في هذا العالم البديل والمبتذل لا يخلو من تأثير، فإن التمسك بهذا العالم المصطنع والمزيف يؤبد العالم، كما هو، والتنظيم الاجتماعي، كما هو موجود، والهيمنة كما تمارس. فجل أعضاء الفايسبوك يخضعون للقيم الثقافية السائدة، فهم يعتقدون بأن شبكة التواصل الاجتماعي تسمح للشخص بالتواصل مع العالم بينما هو في الحقيقة يقيم علاقة مصطنعة مع الوجود؛ عندئذ يعانق الاستلاب ويظل خاضعا مستكينا بينما هو يظن أنه حر طليق مثل ذبابة خرافة لافونتين ( La Fontaine)***** يعتقد أن مشاركته وتقاسمه النرجسي في الشبكة هي مشاركة في العالم، بينما هو في الواقع يعكس امتثاله مع آخرين لتقوية مشهد من التواصل المستعار والزائف؛ لذلك فإن الفايسبوك يشبه العرض الذي وصفه الكاتب والمنظر والثوري الفرنسي (Guy Debord): يظهر في اكتماله، جوهر كل نظام إيديولوجي الذي هو: إفقار واستعباد ونفي الحياة الواقعية.

يظهر الفايسبوك أيضا كانعكاس للنرجسية المفرطة التي تميز عصرنا الحديث، يستطرد الكاتب قائلا: فالموقع يعمل بمثابة مرآة، حيث أن اكتشاف البروفيل أو الصفحات الشخصية للآخرين، ومجموعة المعجبين والمعجبات بصفحتك، هدفه النهائي هو، تأمل الذات وتشكيل صورة أكثر مثالية.

في وقت مبكر من سنة 1969، لاحظ عالم الاجتماع (Christopher Lasch) انبثاق وظهور النرجسية كظاهرة جماعية في الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الحقيقة الاجتماعية تجتاح العالم الآن، فهي تفسر تفتيت الأفراد كذرات وعزلتهم، وإحساسهم بعدم الجدوى في العالم، ويشرح بأن ظاهرة النرجسية، تصبح عملية تتغذى من نفسها: فالانسحاب إلى المجال الخاص والوهم بأن المرء يعيد تأسيس روابط من خلال شاشة حاسوب، بينما الشاشة هي شاشة تمنع وتفصل وتجعل من العاطفة التي تنبع من الواقع مستحيلة… إن الوساطة والتبديل والتصفح (le zapping) المستمرين يميزان الأفراد الذين يرغبون في العيش في الوقت الراهن. فالوجود مغلق في حاضر دائم، فاللقاءات تميل أكثر وأكثر بأن تكون عابرة شاردة وسريعة الزوال، متنقلة، غير متماسكة، وفي المقابل تنتج شعورا بالعزلة ولكن أيضا بفراغ أقوى (الخواء). يظهر الفرد خارج الواقع وحتى خارج تجربته الحياتية الخاصة به.

إن اكتشاف ما هو محسوس وواقعي يمر الآن عبر التمثيل والعرض، إن الفايسبوك منخرط الآن بشكل كامل في هذه الظاهرة. فهذا الموقع يستهدف خصوصية وحميمية الأفراد، فهذه الشبكة الاجتماعية ترتكز على اصطناع وتزييف العلاقات الإنسانية، فمن المستحيل أن يحدث شيء حقيقي في هذا العالم الافتراضي. لذلك فإن الفايسبوك بعيد كل البعد أن يكون فضاء ومساحة اجتماعية أو حتى أداة اتصال وتواصل، فهو يبث أساليب وطرائق حقيقية للحياة يمكن أن تختفي فيها تدريجيا العلاقات الإنسانية الني نعيشها بالفعل.

يفرض الفايسبوك أسلوب حياة البورجوازية والطبقة المهيمنة، فهذا الموقع قد تم تصميمه من قبل، وبشكل أساسي لطلاب جامعة هارفارد، ويختلف تماما عن مواقع أخرى باهتماماته الجمالية باللياقة الأدبية والاحترام الجم قبل كل شيء، وخاصة أن انتقاء المعارف والأذواق يعكس الانتماء الطبقي . إن هذا الموقع يتماشى مع أسلوب حياة الأطر العليا، طريقة تقديم نفسك بصيغة الغائب، فكل واحد يمكن أن يقدم نفسه ويعرضها ” كسلعة ثمينة في السوق ” ويجب على الأذواق المعروضة أن تتوافق مع أذواق الطبقة المهيمنة، عليك أن تحب موسيقى الجاز (le jazz) والموجة الجديدة في السينما لضمان مصداقية صفحتك الشخصية وتأكيد انتمائك الطبقي….
دمروا الفايسبوك لتستردوا عافية الحياة وافتتانها
(….)
يقوي الفايسبوك من الرقابة الاجتماعية، فمستعمليه يمكن لهم التجسس على أصدقائهم: فالمجتمع الذي يقوم بتمييع الشفافية إلى هذه الدرجة هو مجتمع شمولي يسود فيه الضبط الاجتماعي الأكثر كمالا، فأي شخص يمكنه أن يكون دركيا أو حاكما مستبدا صغيرا أو شرطيا للآداب قائم على الخصوصية، ويمكن للشركات التي تهتم بالتسويق السلوكي أو الشرطة استخدام الفايسبوك، فهذا الموقع مليء بالجواسيس والأسماء والصفحات المستعارة والمفبركة، لكن المستعملين يقبلون بخضوع على أن تتم مراقبتهم، لأنهم لا يستطيعون تخيل العيش بعيدا عن الفايسبوك: لأنهم يشعرون بالتناغم والانسجام مع الطريقة التي يسير بها العالم، بقيمه، بتقنيته وقيم نظام عرض السوق، التي تنتشر ..
فهناك صحف ومجلات الكترونية، لها ملفها الشخصي على الفايسبوك، لكن بعيدا عن التسويق وعن الحياة الخصوصية، يتم عبرها توزيع المقالات والوثائق والمستندات الأخرى (النصوص، الأوديو، الفيديو)، ومع ذلك فالتكنولوجيا تشترط وتحدد السلوك، لذلك من المهم الحفاظ على علاقة نقدية مع الفايسبوك وجميع طرق استعماله. بهذا المعنى يبزغ النشاط والنضال الالكتروني (cybermilitantisme) على أنها حفلة تنكرية مقنّعة، وبالمثل فإن مستعملي الخوادم وأنظمة الخوادم الرقمية المجانية (serveurs) ليسوا سوى محتالين يزعمون أنهم يفتحون فضاءات جديدة بينما هم يقومون بتعميم الاستلاب والاغتراب الرقمي… وحدها اللقاءات الحقيقية والواقعية هي فقط التي تسمح بالتنظيم وتكثيف رغبات الانتفاضة والثورة….

مند بداية القرن 21 لازال الاستلاب مستمرا ويزحف أكثر فأكثر على الحياة الخاصة والمجالات الثقافية والإنتاجية. والأسوأ من ذلك، أنه يتقدم لدرجة أننا نشهد الآن تجسيدا لعملية ” تذويت” ****** الأفراد، ويشكل الفايسبوك مكانا متميزا لذلك، فهو يظهر قبل كل شيء انعكاس للحداثة التجارية التي استوطنت جميع مجالات الحياة، بما في ذلك الحب. لكن هذه الظاهرة ليست مستجدة، فهي مرتبطة بتطور الحضارة الصناعية، فالرومانسية الثورية قد نددت من قبل بتصنيع الحياة وتدمير العلاقات الإنسانية؛ لذلك كله فإنه لا يكفي مغادرة الفايسبوك وتعطيل حسابك، فمن المهم جدا العمل على التنظيم الجيد لمواجهة ولتدمير الحفلة أو المهزلة التنكرية السلعية التجارية؛ فالكاتب يدعو إلى ” تغيير في شروط الوجود، وهذا لن يحدث دون أن يتم في نفس الوقت انزياح العالم الحالي وانهياره ” فالفايسبوك قبل كل شيء يعتمد على فراغ وجودي، فمن المهم الارتكاز على تفكير وفتوحات الحركات الطليعية الفنية، فهذه الحركات تهتم وتسعى أن تجعل الحياة مثيرة ومفعمة بالنشاط من أجل تحرير الرغبات، والخلق والإبداع، واللعب والمتعة.

Source: Julien Azam, Facebook, Anatomie d’ Une chimère,

هامش المترجم:

* يعد مفهوم الاستلاب من المفاهيم الأكثر استعمالا وتداولا في خطابنا العربي المعاصر لتوصيف علاقة المثاقفة الواصلة بيننا وبين الغرب. ولفظ الاستلاب دال مفهومي يستعمل، خاصة من قبل الاتجاه الناقد لتقليد الغرب، وذلك للدلالة على حالة التبعية الثقافية ونقدها..ولفظ الاستلاب هو من حيث الأصل مقابل ترجمي للفظ الأجنبي (alienation) الذي يرجع إلى اللفظ اللاتيني (alienatio). (أنظر مقال الطيب بوعزة : في دلالة مفهوم الاستلاب )
** كانت الوضعية المنطقية هي محاولة شجاعة لصنع فلسفة قائمة على العلم، رغم ذلك تم انتقادها من كل حدبٍ وصوب، كان الأمر أشبه بهجوم كاسح تحاول خلاله كل فلسفة أو توجه معرفي أن تثبت صحتها من خلال الهجوم على الوضعية المنطقية، يقول الفيلسوف الأمريكي لاري لاودن (6): إن جزءا كبيرا من أسباب سقوط الوضعية المنطقية لم يكن فقط بسبب التناقضات المنطقية التي واجهتها؛ بل في تعارضها مع مذاهب فلسفية ودينية واجتماعية، تلك المجموعة من الاعتقادات المقبولة على نطاق ثقافي واسع، لقد رفضت الوضعية المنطقية كل شيء تقريبا، الدين، التاريخ، الفن، الأدب.. إلخ. (ما هي الفلسفة الوضعية المنطقية – شادي عبد الحافظ)
*** لقد منح بول ريكور الخيال أدوار مهمة ليس فقط في المجال الاستيطيقي والإنشائي وإنما أيضا في المجال الألسني والدلالي وسدده وفق قصدية فنومينولوجية وأدرجه في التأسيس الأنطولوجي. لقد ظل هذا المفهوم الإجرائي حاضرا بقوة في كل النصوص الريكورية منذ البدايات إلى حد الخواتيم وتجول به من حقول الإرادة والرمزية والتاريخ والتأويل الى حقول اللغة والاستعارة والسردية والسياسة والإيتيقا والذاكرة والاعتراف والمجتمع والاقتدار والحرية والحياة والفعل واعتبره ليس مجرد وسيلة لإعادة تشكيل الواقع بخلاف ماهو عليه بل أداة للتدخل فيه وتطويره. (الأدوار الاجتماعية للمخيال في الفلسفة السردية- د. زهير الخويلدي)
**** الفيتيشية (le fétichisme): تعني بشكل عام الولع بالشيء الزائد عن الحد، وهي أيضا التوثين والمقصود هنا هو التعلق المفرط بالشكل أكثر من الجوهر.
***** العربة والذبابة من حكايات لافونتين: توقفت عربة خيل في طريق وعر، بعد أن عجزت الخيول الستة على جرها، فطلب الحوذي من الركاب أن ينزلوا ليساعدوه على دفعها، في تلك الأثناء جاءت ذبابة، وراحت تتنقل من حصان إلى آخر، محدثة طنينا قويا ، معتقدة أن ذلك سينشط الخيل. وبعد جهد كبير من الحوذي والركاب اجتازت العربة الطريق الوعر، فطلبت الذبابة من الخيل أن تدفع لها أجر تعبها. ( la mouche du coche dans la fable de La Fontaine (livre VII, fable IX),)
****** “التذويت” إضفاء الصبغة الذاتية على تصور العالم وأشيائه وكيفيات تقديرها من منظور الفاعلين الاجتماعيين (منير السعيداني: التذويت والموضعة: الداخلي والخارجي في التحليل العلمي الاجتماعي)