رواية المخادع
لخافيير سيركاس
عبد الكريم وشاشا
يعتبر الصحفي والكاتب والمترجم خافيير سيركاس ( Cercas Javier ) من الأسماء الكبيرة في الرواية العالمية؛
فهو يكتب رواية تجمع بين الاستقصاء الصحفي والتاريخي والتخييل،
هو صاحب الرواية المدوية :
جنود سالامينا
( Les soldats de Salamine)
التي أماطت اللثام عن بعض الأساطير التي صاحبت الحرب الأهلية الاسبانية من خلال نجاة الكاتب رفائيل سانشيز
( Rafael Sânchez Mazas )
أحد مؤسسي “الكتائب” من فرقة الإعدام، بفضل أحد الجنود الذي كشفه مختبئا وراء أحد الأدغال موجها بندقيته نحوه، وعندما نظر في عينيه طويلا صرخ لرؤسائه:
“هنا، لا يوجد أحد”.. !!!
إن القيمة المتوارية خلف هذه الخرافة التاريخية دفعت خافيير سيركاس بعد ستين سنة للتقصي عن ما جرى حقيقة في تلك اللحظة التي تعلقت فيها مصائر هاتين الشخصيتين، من خلاله رسم بورتريه لصورة شاعر “نبيل تجاوزه الزمن” يحلم بإعادة أمجاد نظام من الشعراء والمرتزقة (condottieres) الجدد، فجأة تظهر يد العناية الإلهية عبر جندي جمهوري قديم ..
إن هذه الرواية التي صدمت إسبانيا كلها، وعرفت انتشارا عالميا غير مسبوق، تكشف بأن الأبطال الحقيقيين قد ماتوا كلهم، سقطوا في ميدان الشرف، وقبل كل شيء سقطوا في النسيان؛ وبأن الحرب هي رومانسية فقط لمن لم يعشها .
في روايته المخادع ( L’imposteur )،
وهي رواية صادمة، يقوم الكاتب بنفس العمل وبنفس المنهجية الروائية والاستقصائية حول أسطورة إنريك ماركو
Enric Marco
يعتبر هذا الرجل الذي يبلغ من العمر ثمانين سنة “الأيقونة الوطنية” المناهضة لنظام وقيم فرانكو، رمز الفوضوية النقابية، يجسد شعار القوة الذي يحمله اتحاد جمعيات آباء التلاميذ في كاتالونيا، الرجل الذي صاغ عبر مساره المثير صورة المقاتل الشجاع في جميع الحروب العادلة…
والذي عقد مئات المؤتمرات وأجرى عشرات المقابلات وتلقى عدة أوسمة وتكريمات رسمية مهمة، وألقى خطبا ملتهبة في البرلمان الاسباني أدمعت لها العيون وذلك كله بفضل الشخصية الكاريزمية الذي حملت على مر العقود صوت الناجين الإسبان من الهولوكوست.
لكن في بداية شهر ماي من سنة 2005، قبل أيام فقط من الاحتفالات التي سيتم عقدها بمناسبة مرور ستين سنة من تحرير المعسكرات النازية، ستنهار هذه “الأسطورة” كبناء من ورق،
وسيكتشف بأن المدعو Enric Marco لم يكن في يوم ما منفيا سابقا أو المرحلين أو معتقلا في معسكرات النازية ..
بل هو لم يبرح قط صفوف الخانعين والمستسلمين، ومستعد لفعل أي شيء لمجرد البقاء على حياته..
الأسطورة Enric Marco ما هو إلا مخادع حقيقي لم يكن في يوم من الايام معتقلا سابقا في معسكرات النازية،
حينها واجهت اسبانيا إحدى أكبر عملية خداع وتزييف في تاريخها المعاصر وفقدان ذاكرة جماعي..
عملية توظيف للذاكرة التاريخية.
والرواية تطرح أسئلة مدهشة:
أليس الدجال هو في الواقع انعكاس رائع للبطل ؟
ثم حول وظيفة الأدب ونرجسيته المتأصلة،
حول التخييل الذي ينقذنا والواقع الذي يقتلنا
وعلى غرار فلوبير فإن الكاتب يقول ” إنريك ماركو هو أنا “،
فقوة هذه الرواية الغير خيالية المشبعة بالتخييل هو إرباك لقارئ حبيس مفارقاته الخاصة
فمن منا ليس هو مثل هذا المخادع ؟
نتأرجح بين الحقائق والأكاذيب من أجل قبول آلام الحياة الواقعية .. ألا يسعى كل واحد منا إلى تشكيل أسطورته الشخصية ؟