الوضوح

شاركها

في الرياضة؛ نعم للإنجاز …  على الحقوق؛ لا للإجهاز حسن برني زعيم

في الرياضة؛ نعم للإنجاز.. …  على الحقوق؛ لا للإجهاز

 

حسن برني زعيم

 

النتائج المبهرة التي حققها المنتخب المغربي في منافسات كرة القدم لنيل كأس العالم أكدت بالملموس أن الإنسان مخلوق للتكيف مع الأحوال من طبيعة وعلاقات وخدمات وعلوم وتقنيات…. وأن أخاه الإنسان في الدول المتقدمة نال خيرات الأرض وما تحتها بفضل حكمة الحاكمين والمسيرين، وليس أمرا نازلا من السماء. وأن أخاه الآخر في المجتمعات الفقيرة يعاني ما يعاني بسبب استبداد الحاكمين وأنانية المسيرين، كما أن هناك أسبابا ذاتية في كلا المجتمعين تقدم كما تؤخر.

ما حققه المنتخب المغربي في قطر يمكن أن يقاس باكثر من مقياس ويصنف بأكثر من معيار وينظر إليه بما كان وما يأتي من زوايا النظر
ولذلك سنحاول في هذا الموضوع اختصار زوايا النظر لتيسير التلقي والفهم والاقتراب من الدقة المناسبة في الخطاب

وفي البداية أشير إلى قيمة التحولات التي عرفها محيط المنتخب المغربي بُعَيْد خليلوزيتش، وذاك من خلال إبعاد أسماء واستدعاء أخرى من لاعبين ومسيرين وأعضاء أساسيين لا مجال لذكر أسمائهم احتراما للمغادر والوافد على حد سواء، ولأن المتتبعين والمواطنين يعرفون ما جرى حق المعرفة

هذا عن الإنجازات في الداخل والخارج، والتي لا يستطيع كائن ان يبخس منها شيئا، لأنها تأسست وترسخت في العقول والقلوب في كل أرجاء الكرة الأرضية، وإلى أن صار المغرب عالميا

فإذا كانت العولمة قد هيمنت على العالم بأفكار ونظريات و وسائل وأدوات مصنعة تطلب إنجازها عشرات السنين، فإن المغرب قد عولم العالم، في أسبوع، وبحركات فنية وعزيمة قوية وكلمات شاعرية، وبنشيد وطني يحمل كل معاني الوطنية والإنسانية، وبذلك أصبحت الجماهير في العالم تردد كلمات ونغمات مستمدة من النشيد الوطني المغربي الذي ترجم إلى عدة لغات، واحتفظت الأرشيفات بلقطات من تفنن اللاعبين المغاربة في الميدان وذاعت العبارة الجميلة المحفزة ( سير سير سير) والتي صارت لازمة ترددها الجماهير في ملاعب كرة القدم في العالم. كما أن المنتخب والجمهور المغربيين  قد قدما دروسا في السلوك والأدب ما كانت لتكون من دونهما
فلم يسبق، عبر تاريخ انتصارات منتخبات كأس العالم أن احتفل مشجعو المنهزمين في بلادهم جنبا إلي جنب مع مشجعي المنتصرين، وذاك ما حدث في البلدان التي تعيش فيها الجالية المغربية والعربية، وكان المجتمع الكندي واحدا من المجتمعات التي وحدت الاحتفال بين أنصار من تأهلوا وأنصار من أُقْصُوا

وأما ما جرى بفضل مشاركة المغرب في كأس العالم فإنه لم يحصل عبر دورات المنافسة كلها منذ البدء، فقد شكل حضور المغرب ومنتخبه الوطني أول فرصة في تاريخ الغرب والشرق لاكتشاف فشل سياسة الدول الطامعة في زعزعة الوجود العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، والناطق بلسان واحد. ولعل الدول الغاصبة والمستمرة في التغلغل بين ضلوع الشعوب الضعيفة، والهادفة إلى تثبيت أسباب التفرقة والنزاع ، تأكدت بأن معاهدة سايس ” بيكو” ومؤتمر برلين ( الكونكو) وما يشبههما وما رافقهما وما جاء بعدهما من حملات الاستنزاف والتخطيط للهيمنة المطلقة على الثروات والعقول ما هي إلا اضغاث أحلام وضرب من الأوهام العابرة للقارات.

..فبعد عولمة المشاعر بفضل المغرب وفريقه الوطني صار لازما على الدول المسيطرة أن تتخلص من أفكار الماضي التي بنت عليها..
أحلامها  الطامعة في إخضاع الضعفاء، وأن تفتح صفحة جديدة من تاريخ البشرية وتشرع في تأسيس عولمة ديمقراطية متكافئة، بغض النظر عن الخريطة و الجنس والعرق واللون واللغة والدين، ولا شك في أن الدول العربية والإسلامية والإفريقية والآسيوية والأمريكية الضعيفة، والمتعطشة إلى العلاقة المتكافئة بين الشمال والجنوب، ستسارع إلى المساهمة في بناء مجتمع دولي عادل مبني على الحرية والديمقراطية والمساواة، وعلى الدول التي تعتبر نفسها في الدرجة الأولى وتضع الدول المتخلفة من الدرجة الثانية أو الثالثة، أن تعيد النظر في هذا الترتيب وتعتمد معيارا واحدا هو ( الإنسان هو الإنسان من حقه أن يعيش مكرما ومستفيدا من خيرات الأرض والسماء والعلم والمعرفة)، وعلى الدول الضعيفةالتي تفرض عليها الدول القوية التأشيرة، كمثال للعلاقات غير المتكافئة، أن تعاملها بالمثل كأول إشعار بكرامة الإنسان أينما كان.

ولقد رأينا وعشنا ما يشبه حربا عالمية ناعمة سلاحها الوعي باللحمة العربية والإفريقية والآسيوية، والإحساس الإنساني العالمي( عولمة المشاعر) المشترك الذي لم تستطع محاولات الدول الامبريالية تشويهه بكل الوسائل، ولعل هذه الدول ذاقت طعم الخيبة والازدراء الذي تمارسه تجاه الدول والشعوب التي حاصرتها بالاستعمار والقروض والقانون الدولي الحائر، منذ عقود، بين الحرية والظلم فصنفتها تحت اسم العالم الثالث، وقد تفكر، اليوم، في وسائل أخرى للسيطرة على الشعوب تختلف عن طبول نابوليون وعن التدخل في مناهج التعليم ونشر كل ما من شأنه، في نظرها، أن يمسخ الهويات والانتماءات الحرة، وان يجهز إجهازا  على حقوق الشعوب في عيش حاضرها والتخطيط لمستقبلها، ويمكن أن نعتبر ما حدث في مباريات ربع النهاية خير دليل على استمرار هذه الدول المهيمنة في محاولة التحكم.

إن ما يجب أن تتجه اليه الدول المستضعفة في كل بقاع المعمور و التابعة للغرب هو الاعتماد على ترسيخ الروح الوطنية بمقاربات تربوية وحقوقية واعية تعتمد حرية التعبير والرأي ، وباستغلال الثروة البشرية في برامج تنموية وطنية تحفيزية تنافس المشاريع الأجنبية وبتقوية الجبهة الداخلية بمنظومات اجتماعية  هدفها تمتيع مواطنيها بحقوقهم كاملة، وذلك بمحاربة الفساد الذي ينخر البلاد، وبتحقيق العدالة بوقف الثراء الفاحش والفوارق الاجتماعية التي تشعل الحقد والكراهية بين المواطنين،وتهدد أمن المجتمع.

فمشاركة المغرب في كأس العالم بقطر كشفت عن قضايا  اجتماعية وإنسانية وحقوقية لا يمكن أن نتقدم دون معالجتها قبل الاستعداد  للانتصارات القادمة ،ولكن، أيضا، دون الإجهاز على الحقوق والمكتسبات ، وعلى الدول المتقدمة ان تعامل مواطني الدول الضعيفة كما تعامل مواطنيها في حرية الرأي والتعبير، وليكن الشعار منذ الآن: نعم للإنجاز في الرياضة … لا للإجهاز على الحقوق في غير الرياضة