الوضوح

شاركها

قانون المالية لسنة 2023: هندسة أوليغارشية وضحك على الذقون.

قانون المالية لسنة 2023: هندسة أوليغارشية وضحك على الذقون.

بقلم يوسف الحيرش مهندس دولة و ناشط سياسي و حقوقي.

 

تستمر حكومة رجال الأعمال في تدبيرها العبثي للشأن العام داخل المغرب، بقيادة عزيز أخنوش الفاعل رقم واحد داخل سوق المحروقات التي يكتوي بأسعارها المواطن المغربي، وتتسبب في تفاقم التضخم دون أي إجراءات عملية تخفف من حدته.

حيث صاغت هذه الحكومة مشروعا لقانون المالية لسنة 2023 بعيدا كل البعد عن الوضع المتأزم للاقتصاد الوطني الذي يواجه ركودا تضخميا لم يسبق له مثيل.

وذلك بناء على فرضيات من وحي الخيال، أغفلت بشكل متعمد الوضع الاقتصادي العالمي الذي سيشهد بدوره ركودا شاملا في سنة 2023 حسب تحليلات كل المؤسسات الدولية المالية والاستراتيجية.

إضافة إلى استهدافه للطبقة المتوسطة عبر إصلاحات ضريبية عشوائية، إلى جانب ارتكازه على الاستدانة بشكل كبير.

 

فرضيات تتصف بالعبث

ننطلق من تساؤلات بديهية، فكيف للدولة عبر مؤسساتها الإحصائية كالمندوبية السامية للتخطيط، أن تعترف رسميا أن معدل التضخم يصل حاليا إلى 8,3% ونسبة النمو لن تتجاوز 1,2% لسنة 2022، ونفس هذه الدولة عبر حكومتها تقوم بصياغة مشروع قانون المالية لسنة 2023 بناء على توقعات وفرضيات لا يقبلها العقل، معدل تضخم 2% ونسبة نمو 4%. هل هذا معقول؟

كيف للحكومة في أشهر قليلة أن تنتقل من 8,3 إلى 2% داخل اقتصاد ريعي غير مهيكل، وبسياسة نقدية جد حذرة ومسيسة نوعا ما، وهي مقبلة على ركود حتمي سيعيش في كنف التضخم الذي تتحكم فيه اعتبارات خارجية (الطاقة، ارتفاع الدولار…) وطبيعية (بوادر موسم جفاف ثان على التوالي…)؟

يسمى بالركود التضخمي Stagflation وهو أصعب مشكل اقتصادي ومالي في آن واحد قد يصيب الدول.

كيف لك أن تحقق معدل نمو مرتفع وسياستك المالية في طريقها إلى 3% من معدل الفائدة الرئيسي بهدف كبح التضخم الذي سيسقطنا في ركود منطقي لأن الاستهلاك والاستثمار سيضعف؟ حيث حثت وكالة التصنيف الائتماني Fitch بنك المغرب على الرفع من هذا المعدل، وأفادت أنه يجب أن يصل الآن عند 2,5% بدل 2%.

هنا نتساءل باستغراب، هل تنسق الحكومة مع بنك المغرب والمؤسسات الأخرى أثناء صياغة مشروع قانون المالية؟

يتضح جليا أن المغرب يدخل عامه الثاني من الجفاف حيث هناك بوادر موسم جاف في سنة 2023، قامت الحكومة على إثر هذه المعطيات عبر وزارة الداخلية ووزارة الماء على تقليص الأراضي المسقية لسنة 2023 ب 40%، ما قد يؤثر بشكل مباشر حتى على الأراضي التي سيتم زراعتها، وهنا نرى تناقضا في الأرقام، فكيف لك أن تقلص من المساحات المسقية وتتوقع 75 مليون قنطار وأنت كنت قد حققت في سنة 2022 فقط 37 مليون قنطار، كل هذا العبث في الأرقام يدفعنا للقول ان هذا القانون فعلا ضحك على الذقون.

 

هجوم على الطبقة المتوسطة

جاء هذا المشروع ليفرض ضرائب غير عادلة تحت مسمى الإصلاح الضريبي، تقليص الضريبة بشكل تدريجي على الشركات الكبرى لتصل إلى 20% والرفع من ضرائب الشركات المتوسطة والصغيرة من 10% إلى 20%، بينما جميع دول العالم وحتى الأمم المتحدة في شخص أمينها العام تحدثت عن فرض ضرائب على شركات المحروقات، التي لم نرى أي إجراء ضدها داخل هذا القانون بحكم أن رئيس الحكومة هو أول فاعل في هذا القطاع، وهنا يتضح تضارب للمصالح بشكل فج.

لم تسلم المهن الحرة (المحاماة، الطب، الصيدلة…) من الهجوم الضريبي عبر الاقتطاع من الأصل ورسوم تسجيل عبثية مما جعل أصحاب هذه المهن ينتفضون في وجه الحكومة. حتى إطار المقاول الذاتي تم الإجهاز عليه بضريبة تصل إلى 30% لكل معاملة تصل إلى 50 ألف درهم.

 

استدانة مشروطة

إضافة إلى هذا العبث تتطلع الحكومة داخل هذا القانون إلى اقتراض 127 مليار درهم أي 13 مليار دولار، أتساءل كجل المغاربة من أين سيأتون بهذه السيولة؟ وصندوق النقد الدولي يرفض منح المغرب خط ائتماني جديد مادامت مجموعة العمل المالي GAFI (FATF) تحتفظ بالمغرب في اللائحة الرمادية لإستراتيجيات محاربة تبييض الأموال.

يبدو أن هذا الخبر الذي نزل كالصاعقة على الحكومة، اضطرها لتسريع بعض التدابير قبل الزيارة التي من المرتقب أن تقوم بها اللجنة التابعة للمجموعة المالية الدولية. من بينها تسريع تشكيل الهيأة المكلفة بمحاربة الرشوة، حيث أفاد بلاغ الديوان الملكي أن الملك محمد السادس عين الأعضاء الأربعة لهيئة محاربة الرشوة، بالإضافة إلى تصريح الناطق الرسمي للحكومة أن هذه الأخير لم تتراجع عن قانون الإثراء غير مشروع، آخر هذه القرارات الاستراتيجية هو الاتفاق الذي وقعته وزارة الداخلية ووزارة المالية بهدف محاربة تبييض الأموال على مستوى الكازينوهات Casinos.

تعتبر هذه التدابير مهمة في إطار المنظومة الاستراتيجية لمحاربة تبييض الأموال، و ذلك على أمل إخراج المغرب من المنطقة الرمادية، دون اللجوء مرحليا إلى شروط أخرى كتحرير سعر صرف الدرهم و إلغاء دعم البوطان، واللذان ستكونان لهما تداعيات ستفاقم من حدة الوضع.